للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد أوقع الله سبحانه وتعالى الأمر في الوجود، كما وعدكم، بروح منه، ولكنكم أنتم الذين لم تلتزموا الجادة، ولم تكونوا ناصرين الله تعالى في المعركة كلها؛ إذ لم يكن قتالكم لله تعالى في هذه المعركة من مبتدئها إلى انتهائها، ولم تضبطوا أنفسكم، وإن وعد الله تعالى لكم بتأييد الملائكة، وهي الأرواح الطاهرة المطهرة، كان مقيدا بالصبر النفسي، ولم تصبروا أنفسكم وبين سبحانه وتعالى وقت النصر، وهو وقت ابتداء الحرب، فقال سبحانه: (إِذْ تَحسُّونَهم بِإِذْنِهِ) ومعنى تحسونهم أي تصيبون حِسَّهم بإزالته، وذلك يكون بقتله، فمعنى حَسَّه أصاب حسه، مثل كبده أصاب كبده، وفأده أصاب فؤاده، وشغفه أصاب شغاف قلبه، ولقَد قال في ذلك الأصفهاني: " حَسَسْت، وحسَيْتُ، وأحسست " يقال على وجهين: أحدهما - يقال أصبته بحسي (أي أدركته بإحساسي، ومنه شيء محسوس) والثاني - أصبت حاسته نحو كبدته، وفأدته، ولما كان ذلك قد يتولد عنه القتل عبر به عن القتل، فقيل: (حسسته أي قتلته).

والمعنى كان وعد الله صادقا كل الصدف عندما كنتم تقتلونهم بإذنه، مؤيدين منصورين، ومعنى الإذن هنا يتضمن معنى التأييد والتقوية والتثبيت، ولكنكم أنتم الذين أبعدتم أنفسكم عن نصر الله تعالى، وأشار إلى ذلك سبحانه بقوله: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) أي حتى إذا ضعفت نفوسكم وعجزتم عن مقاومة أهوائكم، وَتنازعتم فيما بينكم أنتبع الغنائم نجمعها، أم نطيع الرسول؟ وانتهى أكثركم إلى العصيان من بعد ما أراكم الله - تعالى - ما تحبون من نصر مؤزر ثابت أو من غنائم تحبونها، وتهواها أنفسكم. وهذا يفيد أن الترتيب النفسي يتفق مع الترتيب في الذكر؛ وذلك لأن الفشل، ومعناه العجز النفسي عن الصبر والاحتمال، ترتب عليه التنازع وعصيان الرسول، ولابد أن نذكر هنا بعض ما روي عن ذلك في غزوة أحد، فقد روى البخاري عن البراء بن عازب: " لما كان يوم أحد، ولقينا المشركين أجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناسا من الرماة، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير، وقال لهم: " لا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتموهم قد

<<  <  ج: ص:  >  >>