منصورين بتأييد الله، ولتفاوت ما بين المقصد الأصلي، والنتيجة التي انتهوا إليها بسبب هذا الخطأ الجزئي - عطف سبحانه وتعالى بـ " ثم " بدل الواو أو الفاء.
وكان التعبير بكلمة (صرفكم) بدل (هزمتم) لأن ما حدث في أُحُد لم يكن هزيمة، وإن لم يكن نصراً؛ لأن الهزيمة تقتضي أن يولي المسلمون الأدبار، وأن يتحكم الأعداء، وليس ما حدث أكثر من أن القتلى في المؤمنين كانوا أكثر من القتلى في المشركين، ولم ينل المشركون بذلك مأربا، فكأن الله سبحانه وتعالى يشير لهم بأن ما حدث لَا يصح أن تبتئسوا له، ولا يصيبكم الحزن؛ لأنه ليس هزيمة، بل هو نوع من الصرف عن الغاية التي من أجلها خرجتم. وكان هذا لابد منه ليمحص قلوبكم، وليختبركم بالشدائد التي تصقل نفوسكم، وتجعلها مستعدة لما يأتي به القدر، ولبيان أن الطاعة للقائد الحكيم هي أساس الظفر، والعصيان سبب للاندحار.
(وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) في هذا النص السامي يبين سبحانه عفو الله تعالى ليرفع من نفوسهم، ويذهب الحسرة من قلوبهم، ويحيي موات العزة التي اختفت في وسط ذلك المضطرب، ولقد أكد سبحانه وتعالى عفوه بعدة تأكيدات أولها: بالتعبير بـ " قد "، فإنها للتحقيق، واستعمالها في أكثر آي القرآن للتحقيق، وثانيها: باللام. وثالثها: بالتعبير بالماضي. ولماذا أكد سبحانه وتعالى عفوه بهذا التأكيد؛ لأن أولئك الأبرار الذين أخلصوا دينهم لله تعالى قد تجسم في نفوسهم خطؤهم، حتى توهموا أنه غير قابل للغفران، فإن المؤمن التقى يستكثر هفوته، ويستصغر حسنته؛ لأنه يحس بحق الله تعالى عليه، ووجوب شكر النعم التي أنعم بها، وبمقدار قوة الإيمان يغلب المؤمن خوف العقاب على رجاء الثواب.
ولقد ذيل سبحانه الآية بقوله تعالى:(وَاللَّهُ ذو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) لبيان فضل الله تعالى العميم على عباده المؤمنين، فكل شيء بفضله، فنصرهم في بدر بفضل منه، ونصرهم في الابتداء في أُحد كان بفضل منه، وخذلانهم بفشلهم