للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فريقين: أحدهما الذين أقبلوا على الغنيمة وتركوا مواقعهم من الرماية فأُولئك بتركهم مواقعهم وإقبالهم على الغنيمة كانوا مدبرين يشبهون الفارين (والفريق الثاني) الذين فروا من القتال يوم أن اضطربت الموقعة وأصيب المؤمنون بجراح، وكانت فيهم مقتلتهم. وقد ذكر سبحانه السبب فقال تعالى: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كسَبُوا) ومعنى استزلهم الشيطان طلب لهم الزلل وسهله لهم ببعض ما كسبوا من صغائر؛ فإن تضافر الصغائر، وطلب الدنيا من شأنه أن يسهل ارتكاب الخطايا فإن النفس تمرد عليها (١) وتسير في طريقها، ولقد قال في ذلك الراغب الأصفهاني: استزله إذا تحري زلته. وقوله تعالى: (إِنَّمَا اسْتَزَلًهُمُ الشَّيْطَانُ) أي استخرجهم حتى زلوا فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه، ومعنى هذا أن الشيطان لَا يفتح معاقل النفس، ويغزو مواضع الفضيلة، إلا بالصغائر التي تسهل الرذائل، فإذا فتح النفس من هذا المعقل هجم بكل أسلحته، فتحكم الهوى والشيطان واستضعفت النفس وذلت، وأحاطت بها الخطايا، وسدت عنها منافذ الهداية والنور.

والمعنى الجملي أن أولئك الذين كانوا سبب تلك الجراح أو فروا من الموقعة قد وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب أن نفوسهم لم تتجه إلى الله بكليتها ولهذا استزلهم الشيطان، وأمامهم الفرصة لتطهير نفوسهم، وقد أعلن سبحانه العفو عنهم فقال: (وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهمْ إِنً اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

وقد أكد سبحانه عفوه بأربعة تأكيدات أولها: باللام فهي تنبئ عن القسم، والثاني: قد، فإنها تفيد تأكيد تحقق القول، والثالث: وصف الله تعالى بالمغفرة فإنه يؤكد أن العفو شأن في شئونه سبحانه، والرابع: الوصف بالحلم فإنه سبحانه لَا يسارع بالعقاب: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ. . .).


(١) المرود على الشيء: المرون عليه. الصحاح. ومنه قوله تعالى في سورة التوبة (١٠١): (مَرَدوا عَلَى النفَاقِ) أي مرنوا عليه وأقاموا فلم يتوبوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>