للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويصح أن تكون اللام للتعليل، ويكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى خلق الكفار على هذه الأخلاق اليائسة، أو قدر لهم هذه الأحوال الموئسة ليلقي الحسرة في قلوبهم، والغم في نفوسهم، والضلال بهذه الأقوال في عقولهم.

والحسرة هي الهم المعيي الكاشف للنفس الذي يلقي بالحزن المستمر فيها، وقد قال الأصبهاني في هذه المادة: " الحاسر من لَا درع له، والحاسر المُعْيا لانكشاف قواه، ويقال للمُعيا حاسر ومحسور، أما الحاسر فتصور أنه قد حسر بنفسه قواه، وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره، وقوله عز وجل: (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)، يصح أن يكون بمعنى حاسر وأن يكون بمعنى محسور، وقال تعالى: (فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)، والحسرة الغم على ما فاته، والندم عليه، كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، وانحسرت قواه من فرط غم، وأدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه، قال تعالى: (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قلُوبِهِمْ) (وَإنَّه لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ). ومن هذا يتبين أن معنى الحسرة يتضمن هما وحزنا وإعياء، وتكشفا للآلام يلقى تشاؤما وارتياعا وانزعاجا مستمرا.

والكلام السابق على أساس أن الحسرة نتيجة لقولهم واعتقادهم الفاسد، ذلك أنها تلقي في قلوبهم ضعفا وألما، فالسبب في الحسرة على هذا التوجيه من أنفسهم التي ركبها الله سبحانه وتعالى ذلك التركيب، ويصح أن تكون الحسرة نتيجة للنهي، وتكون اللام للتعليل، ولا تصلح أن تكون للنتيجة والمآل، ويكون المعنى على هذا: يَا أيُّهَا المؤمنون لَا تكونوا كالذين كفروا إذ يشغلهم الماضي ولا يفكرون في الحاضر، بل اتخذُوا من الماضي عبرة، وفوِّضوا الأمور إلى الله تعالى ليجعل الله لكم بهذا قوة، ويكون ذلك حسرة في قلوب الكافرين؛ إذ يرونكم مستبشرين بنعمة من الله وفضل. دائما، فلا تألمون لمن تفقدون، ولا تتخاذلون بمن يقتلون من صفوفكم، بل تأخذون الأهبة، وتتقدمون طالبين الشهادة أو النصر المؤزر، وذلك هو سبب الحسرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>