للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفاء هنا تفيد ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي أنه يترتب على اتصافك بالعفو والرحمة والبشاشة، والبعد عن الفظاظة وغلظ القلب أن تكون عفوا، ولذا أمره سبحانه بالعفو عن المخالفة التي وقعوا فيها، وترتب عليها ما ترتب من هزيمة وفوات فرصة، وإن العفو في هذه الحال ليس للرحمة فقط، بل هو للمصلحة أيضا؛ لأنه يشحذ العزائم، إذ هو يقيل من العثرة، ويرفع من الكبوة، وعندئذ تستقيم القلوب نحو الحق، كما قامت الأجسام بعد الوقوع.

وأمره سبحانه بأن يستغفر لهم، بأن يطلب من الله أن يغفر لهم ما أساءوا، وأن يغفر هو لهم هذا الخطأ، وإن في استغفاره الله تعالى لهم، وإعلانه ذلك الاستغفار بينهم تأكيدا لعفوه، وتشجيعا، وضراعة إليه سبحانه أن يجعل حاضرهم وقابلهم خيرا من ماضيهم الذي أخطأوا فيه.

وقد أمر نبيه بأمر ثالث، وهو أن يشاورهم، وإن المشاورة من بعد ما كان منهم دليل على عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد عفو الله تعالى وغفرانه؛ لأن مما أخطأوا فيه في الماضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاورهم في أمر الخروج إلى لقاء المشركين في أحد، وأنه كان يميل إلى البقاء حتى يدخلوا المدينة، وشبابهم كان يريد الخروج، فنزل عليه الصلاة والسلام عند رأيهم، ثم كان ما كان منهم من أن طائفتين همَّتا بأن تفشلا، ثم ما كان من خروج الرماة عن مواقفهم، ولو بقوا في المدينة ما وقع هذا، ولكن الله سبحانه مع ذلك أمره بمشاورتهم للإعلان عن سماحته المطلقة، ولأن المشاورة إن أخطأت فيها النتيجة مرة، فصوابها كثير.

والشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، قد التزمها النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أمر كان يمس أمور المسلمين العامة فقد استشار في غزوة بدر قبل وقوعها، واستشار في الأسارى غِبَّ وقوعها، واستشار في أحد، واستشار في غزوة الأحزاب، وكان من نتائج الشورى حفر الخندق والتحصن وراءه، واستشار في القتال يوم الحديبية، والتزم أبو بكر ومن بعده عمر الشورى، وما اضطرب حبل الأمور من بعد إلا عندما منعت أمر الشورى.

<<  <  ج: ص:  >  >>