للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسان ضعيفا مهما تكن قوته، وإن استحقاق نصر الله يكون بأخذ الأهبة ومبادلة الرأي، وتعرف أسباب النصر، ثم التوكل على الله تعالى، وتفويض الأمور إليه. وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أعد الأهبة أخذ يدعو الله تعالى بالنصر، ويكرر هذه العبارة: " اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لَا تعبد في الأرض " (١).

وإنه إذا فقد المؤمن نصر الله فلا ناصر له من غيره، ولذلك قال سبحانه: (وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ).

أي إن يكتب الله سبحانه وتعالى لكم الخذلان، ويحرمكم من معونته وتأييده، فلا أحد ينصركم من بعده أي ممن هو دونه أو من بعد خذلانه، لأنه لا أحد عنده قدرة تقف أمام قدرة الله تعالى، والاستفهام هنا إنكاري بمعنى النفي، وقد جاء النفي على صيغة الاستفهام ليوجه أنظار المخاطبين إلى البحث عن قوى تكون قدرته كافية للوقوف أمام إرادة الله تعالى الخذلان، فإنهم سيبحثون عن قوى لا تكون قوته إلى بقاء، ولن يجدوه، فعندئذ يحكمون بأن الله وحده الكبير المتعال، ولا ناصر سواه (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

أي عليه وحده لَا على شيء سواه، وأفاد ذلك تقديم (عَلَى اللَّهِ) أي أن المؤمنين لَا يتوكلون إلا على الله سبحانه وتعالى فالاتكال عليه وحده، والإيمان متلازمان لَا ينفصلان، فغير المؤمن يعتمد على الأشخاص الفانين، أما المؤمن فلا يعتمد على أحد سوى الله تعالى، والاتكال على الله من مقتضيات الإيمان بالله وحده؛ لأف جزء من الوحدانية، فالذين يعتمدون على غير الله من العباد يصيبهم نوع من الشرك الخفي؛ لأنهم يفرطون في تقدير العباد، بل قد تفرط منهم عبارات


(١) وذلك يوم بدر، وقد رواه مسلم بنحوه في حديث طويل: الجهاد والسير (١٧٦٣)، والترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة الأنفال (٣٠٠٦) عن عمر بن الخطاب عن ابن عباس رضي الله عنهم. كما رواه: مسند العشرة (٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>