والثالثة: أنه عبر عن الذين يغلون ويخونون بأنهم يبوءون أي يعودون على أنفسهم بسخط الله تعالى، والسخط ليس هو الغضب المجرد، بل هو الغضب الذي يصحبه أو يترتب علية العقاب، وفرق بين عملين: أحدهما يجلب أبلغ الرضا، وثانيهما يجلب أبلغ الغضب وأشد العقاب، وإن ذكر هذه المقابلة ليعرف الذين يغلون بالغنائم أنهم لَا يكسبون لأن ما يخسرونه أضعاف ما يكسبون من عرض لَا بقاء له، والعبرة بفاضل ما بين الكسبين، أما الذين قد اختاروا الأمانة سبيلا، فإنهم لَا يخسرون شيئا؛ لأن مال الخيانة لَا يعد كسبا، بل هو سحت لا كسب فيه، ومع أنهم لَا يخسرون شيئا، وكسبهم عظيم لَا حد له، وهو رضوان الله تعالى.
والرابعة: أنه سبحانه عبر عن اتباع أوامر الله ونواهيه باتباع رضوانه، لأن الطاعة المخلصة تؤدي إلى رضوانه سبحانه وتعالى، فطلب رضا الله في طاعته.
ولقد عقب سبحانه ذكر سخطه بذكر عقابه؛ لأن السخط والعقاب متلازمان، كما أشرنا، ولذا قال سبحانه:(وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي أن عودتهم بغضب الله الشديد يتبعه حتما ذلك المصير يوم القيامة، وهو أن يكون المستقر الذي يستقرون فيه وينتهون إليه، هو جهنم، وهي الهاوية التي يهوون إليها في النار، جزاء هاوية الخيانة التي أصابتهم في الدنيا، وبئس ذلك المصير الذي صاروا إليه، وكان لهم نهاية، وإن لم يريدوه لهم غاية.
وإن نتيجة عدم التساوي بين من يتبع رضوان الله تعالى ويطلبه بإقامة الطاعات على وجهها الأكمل، ومن يختارون الشر سبيلا - هي أن يكون الناس درجات بحسب مقدار طلب الرضوان، ومقدار اتباع السخط، ولذا قال سبحانه: