للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العظيمة فيهم في بدر، والمقتلة العظيمة في أول الغزوة في أحد، ويصح أن يقال: إن انذين قالوا من أقوياء الإيمان؛ لأنهم يستعجلون نصر الله تعالى لإعزاز دينه، ويَخْشوْن أن يكون الله تعالى تخلى عن نصرتهم لعيوب فيهم، وقد أمر الله تعالى أن يجيبهم، ويزيل تعجبهم، فقال: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفسِكمْ).

أي أن سبب المصيبة منكم أنتم، وقد أكد أنه منهم بإبراز الضمير في الإجابة (١)، وبالإتيان بالظرف وهو عند، وبالتعبير بـ " أنفسكم " التي تدل على التوكيد، وكان سبب الهزيمة منهم لأنهم لم ينتظروا في المدينة حتى يجيء إليهم الأعداء ويقضوا عليهم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة نزولا على حكم الشورى، وعلى رأيهم، فعليهم أن يتحملوا تبعته، وهم فوق ذلك هموا بأن يفشلوا، ولأنهم عندما رتب النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشه ترتيبا حكيما، وأخذ المقاتلون ينفذونَ الخطة بإحكام، والرماة يحمون ظهورهم، حتى أخذوا يَحسُّونهم بإذنه، وقتلوا من المشركين مقتلة عظيمة، وفروا أمامهم، ترك الرماة أماكنهم، فكان الاضطراب في جيش الحق، وفوق ذلك فإن الشك قد أصاب القلوب الواهنة، حتى أخذ يضرب بعضهم رقاب بعض، وضعف صوت الهادي الرشيد، وانطلق المنافقون يعلنون قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبسبب ذلك كله كانت الهزيمة.

بيد أن هذه الهزيمة كانت إرادة الله سبحانه وتعالى ليمحِّص المؤمنين، وليبين لهم بالعمل أن طاعة القائد الرشيد سبب النصر، وأن قدرة الله تعالى فوق كل شيء، فهو قادر على كل شيء، كان يستطيع أن ينصركم في هذا المضطرب، وقد فعل فإنه صرف المشركين عن أن يعودوا إلى المدينة وقد أثخنتكم الجراح وأثقلكم الاضطراب، ولكن الله خوَّفهم فَرَضُوا من الغنيمة بالإياب، ولذا قال سبحانه مؤكدا قدرته:

(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ) وهذا رد على ضعفاء الإيمان الذين يقولون كيف ننهزم والله معنا، فبين سبحانه أن قدرته فوق كل شيء، وأنه سبحانه أراد


(١) أي الضمير " هو " في قوله تعالى: (هو من عند أنفسكم).

<<  <  ج: ص:  >  >>