للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظاهر المعنى أنهم يوهمون دعاتهم للخروج معهم أنهم لَا يعتقدون أن قتالا يقع، وأن الأمر ينتهي بغير قتال، ولكن الزمخشري فسر بغير هذا الظاهر، فقرر أن المعنى أننا لو نعلم أنكم تخرجون لقتال رتبت أسبابه وأخذ فيه بالاحتياط، ولكنه زلل، وإلقاء بالتهلكة، وكان خيرا أن تبقوا بالمدينة، حتى يجيء العدو إليكم، وكأنهم بهذا يرجحون الرأي الأول، وهو البقاء في المدينة، ولو بقوا في المدينة لوجدوا السبيل لبث الفتنة بطرق أخرى، فهم لَا يبغون إلا الفتنة، وذلك لأنهم خرجوا معهم، ولكنهم قبل أن يصلوا إلى أحد رجعوا فرجع كبيرهم عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة ممن على شاكلته ليخذلوا المؤمنين.

(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بَأفْوَاهِهِم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) تضمن ذلك النص حكما على أعمال المنافقين، وبيانا لحقيقتهم، فأما الحكم فهو أنهم في هذا اليوم المشهود الجليل الذي ميزهم وعرف بهم - كانوا أقرب إلى الكفر من الإيمان، وأما الوصف فهو أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم مغررين مظهرين الإيمان، وكاتمين الكفر، ويذكرون لبث روح الهزيمة بين المؤمنين أمورا يعرفون كذبها، وينشرون أراجيف يعلمون بطلانها.

والحكم الذي حكم الله به عليهم، وهو أنهم في هذا اليوم، أقرب للكفر منهم للإيمان، ظهرت بوادره فقد كانوا يتمنون نصر المشركين ويعملون لبث روح الهزيمة في صفوف المسلمين، فهم بلا شك كانوا أقرب للكافرين منهم للمؤمنين بإرادة نصر الأولين، وهزيمة الآخرين، مع أنهم عشراؤهم وخلطاؤهم، ومنهم من تربطه ببعض المؤمنين قرابة قريبة فمنهم من كان أبا لبعض المؤمنين أو أخا، ولكن نفاقهم جعلهم ينسون تلك الوشائج من القربى، فكانوا يقطعون ما أمر الله به أن يصل. فالمراد بـ " الكفر " أهله، ومحط في قوله تعالى: (فَلْيَدْعُ نَاديه)، ويصح أن يقال: إن المراد من قربهم إلى الكفر هو بالنسبة لأقوالهم وأفعالهم، فأفعالهم وأقوالهم في يوم أحد كانت تدل بظواهرها على قربهم إلى الكفر وبعدهم عن الإيمان، وإن كانت لَا تدل على كل حقيقتهم؛ وذلك لأن تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>