للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يقول قائل كل ميت فهو حي بروحه لأن الله تعالى قد بين في محكم آياته أن الموت ليس فناء، كما قال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. . .). وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخاطبته يوم بدر قتلى المشركين أن أرواحهم تسمع الكلام (١)، فلماذا إذن اختص الذين قتلوا في سبيل الله تعالى بأنهم أحياء؟.

والجواب أحد أمور ثلاثة:

(أولها) أن هذا النص الكريم رد على شماتة الذين شمتوا من اليهود، وتطييب لقلوب الذين فقدوا أحبتهم من المؤمنين، وتشجيع للذين يحملون السيوف على عواتقهم لجعل كلمة الله تعالى هي العليا، وكلمة الشرك هي السفلى.

(ثانيها) أن النص الكريم تذكير بحقيقة مقررة ثابتة وهي أن الموت ليس فناء، في وقت قد غامت فيه على النفوس غيمة من الألم المرير، وقد كان أقرب المتوفين ذكرا في هذا الوقت هم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله تعالى.

(ثالثها) أن الله تعالى قد ذكر لأولئك الشهداء حياة ليست كحياة غيرهم، بل هي حياة فيها تكريم واستبشار ورزق كريم، ونعيم وسعادة ورضا بما كان منهم، وأنهم قد نالوا جزاء كريما بمجرد الاستشهاد، وأن هذه الحياة السعيدة لَا يصح أن يطلق عليها اسم الموت، وإن كان يصح إطلاقها على غيرهم.

وما هذه الحياة التي ينالونها بعد الاستشهاد وما كيفها؟ وإن كنا لَا نشعر بها ولا نراها، كما قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَا تَشْعُرُونَ)؟ والجواب عن ذلك أنه قد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب تدل على حياة كريمة لهؤلاء الشهداء، فقد روى مسلم عن مسروق: إنا سألنا عبد الله بن عباس عن هذه الآية: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقونَ) فقال: إنا قد سألنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -


(١) رواه بهذا اللفظ مسلم: الإمارة - بيان أن أرواح الشهداء في الجنة (١٨٨٧)، وقد سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>