للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تكاثرت أسباب الرهبة، وأخبار الاستعداد، فهذا موقف آخر، وإن كان الذين نالوا الفضلين طائفة واحدة، وذلك الموقف هو أن أبا سفيان ومن معه لما رجعوا لا يلوون على شيء، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدكم بدر القابل فقبل النبي ذلك التهديد، وكان ذلك في شوال من السنة الثالثة، وكان تجار قريش يقدمون إلى بدر في ذي القعدة، ويسمون ذلك بدرا الصغرى، فاستعد النبي - صلى الله عليه وسلم - للقائهم بعد نحو شهر من أحد، وخرج أبو سفيان في أهل مكة ولكن ألقى الله الرعب في قلوبهم، فبدا له أن يرجع، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا، فقال: يا نعيم إني أوعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر، وإن هذا عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر، ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي، ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة فالحقْ بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل، ويروى أن الذين دسهم أبو سفيان ليبثوا الهزيمة في قلوبهم هم ركب عبد القيس، ويظهر أنه تكرر ذلك الدس من أبي سفيان، ولذلك قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهم النَّاسُ) أي تضافرت الأخبار من هؤلاء الناس الذين اندفعوا يثبطون، ويقولون إن الناس - أي مشركي مكة - قد جمعوا لكم، وكانوا يقولون في أخبارهم المثبطة الملقية بالرعب لمن لَا يعتمد على الله تعالى وقد وجدوا المؤمنين يتجهزون للمعركة: (ما هذا برأى، آتوكم في دياركم وقراركم، فلم يفلت منكم أحد إلا شريدا، أفتريدون أن تخرجوا، وقد جمعوا لكم عند الموسم؛ فوالله لا يفلت منكم أحد) فقال - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد " (١) فخرج في سبعين راكبا، وقيل ألف راكب.

وقوله تعالى حكاية عنهم: (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) قد حذف فيه المفعول، فلم يقل جمعوا جيشا، وذلك ليذهب الخيال كل مذهب في مقدار ما جمعوا من


(١) رواه ابن جرير الطبري في التفسير بلفظ: وإن رسول الله ندب الناس لينطلقوا معه، ويتبعوا ما كانوا متبعين، وقال: " إنّما يرتَحلُونَ الآنَ فَيَأتُونَ ولا يَقْدِرُونَ على مِثْلِها حَتّى عام مُقبل " فجاء الشيطان فخوّف أولياءه فقال: إن الناسَ قد جمعوا لكم. فأبى عليه الناس يتبعوه، فقال: " إني ذاهِب وإنْ لم يَتْبَعْني أحَدٌ لأحضضنَّ الناسَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>