للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد بين سبحانه أنه شر لهم، فقال سبحانه: (بَلْ هُوَ شَرٌّ لهُمْ) وفي إعادة الضمير، وذكر الجملة الاسمية تأكيد لمعنى الشر في البخل، والبخل شر في الدنيا وفى الآخرة؛ وذلك لأنه يدفع إلى الحقد في الدنيا، والحقد في الآحاد يؤدي إلى النزاع المستمر، وتقطع العلاقات الأدبية، وهو في الجماعات يؤدي إلى الخراب والدمار. ولقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " (١).

(سَيطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) التطويق إما من الطاقة، والمعنى سيكلفون أقصى ما يطيقون ليخسروا المال الذي بخلوا به يوم القيامة، ولكنهم لا يملكون في هذا اليوم من أمرهم شيئا، فلا يستجيبون لنداء، ولا لكلام، لأنهم لا يستطيعون، وذلك على حد قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ).

وقد يكون وهو الأرجح من الطوق، والمعنى أنه سيكون ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، وغِلا فيها يشعرهم بما كان منهم في الدنيا، وهو طوق مؤلم، مَثَلهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بثعبان، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له شجاعا (٢) أقرع له زبيبتان يطوَّقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه (٣) يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا قوله تعالى: (سَيطَوَّقُونَ مَا بَخلُوا به يَوْمَ الْقِيَامَةِ) " (٤).


(١) رواه مسلم: البر والصلة والآداب - تحريم الظلم (٤٦٧٥) عن جابر رضي الله عنه.
(٢) قال الإمام رحمه الله: الشجاع: هو الثعبان الذكر الذي يقوم على ذنبه ويوائب الراجل والفارس.
والأقرع هو الذي يكون أملس الجلد كثير السم، والزبيتان علامتان سوداوان فوق عينيه، وهما تكونان الأخبث الحيات.
(٣) اللهزمتان بكسر اللام والزاى: شدقاه.
(٤) رواه البخاري: الزكاة - إثم مانع الزكاة (١٣١٥). كما رواه النسائي: الزكاة - مانع زكاة ماله (٢٤٣٦)، وأحمد - باقي مسند المكثرين (٧٣٠٧) كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>