للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد بين سبحانه وتعالى أن هؤلاء الذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم يتعنتون والمتعنت لَا يُلْتَفَتُ إلى مطالبه، وقد ذكر سبحانه الرد مع الدليل على تعنتهم، فقال: (قلْ قَدْ جَاءَكمْ رُسُلٌ من قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).

الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - و " البينات " المراد منها الحجة المبينة المثبتة لرسالة الرسل، و " بالذي قلتم "، والمعنى بموضوع القول الذي قلتموه، وهو الإتيان بقربان تنزل عليه نار بيضاء من السماء فتأكله، وقد يطلق القول ويراد منه موضوع القول، كأن يقول قائل: قلت لك إن الأمر سيكون على وجه كذا، وقد كان ما قلت، أي قد كان معنى القول الذي قلت وتحقق موضوعه.

والمعنى: إن عليك يا محمد أن تقول في محاجتهم ولبيان تعنتهم قد جاءكم رسل بالبينات من قبل، وتحقق من الأنبياء ما تطلبون، وهو أنهم أتوا بقربان تأكله النار، فلم تؤمنوا ولم تصدقوا، وقد دل على هذا المعنى بقوله تعالى: (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) إذ إن القتل لَا يكون إلا أثرا من آثار التكذيب العنيد، والجحود الشديد، فيكون نسق القول الكريم هكذا: لقد كذبتم وأبلغتم في الكذب بادعائكم أن إيمانكم مرتبط بالقربان تأكله النار، فقد جاءكم هذا ولم تؤمنوا، بل كذبتم وأعنتم حتى بلغ بكم الأمر والاستهانة بالداعي أن قتلتموه، ولو كنتم صادقين في ادعائكم ارتباط الإيمان بالإتيان بقربان تأكله النار فَلِمَ كان القتل؟.

فالصدق المنفي هو صدق الارتباط بين الإيمان وتلك الحجة التي يطلبونها، والاستفهام إنكاري ينفي أن يكون ثمة مبرر للقتل على أي وجه كان المبرر، وينفي أيضا صدقهم.

وسياق الخطاب الموجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو لبيان تعنتهم، وأنهم لَا يطلبون حجة لنقص الدليل، بل يتعنتون، وأنهم فعلوا مع من أتوا لهم بهذا الدليل أشد مما فعلوا معك وهنا أمر يجب التنبيه إليه، وهو أن القتل والتكذيب مع هذه الحجة كان من أسلافهم، والخطاب للذين حضروا عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن يجيء بعده ممن على

<<  <  ج: ص:  >  >>