الثاني المشركون الذين لَا يؤمنون بكتاب، ولا يهتدون بهدي، وقد جمع القرآن القسمين في أمر واحد، وهو معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد دفعتهم المعاداة إلى الجحود، وما كانت المعاداة لشخصه، بل كانت لما جاء به، وما يدعو إليه، وفي الجمع بين العالم بالكتاب والجاهل به إشارة إلى أنه عند وجود المعاندة يستوي العالم والجاهل، فإن الجاهل يَعْمهُ في عمياء جهالته، والعالم يطمس الله تعالى على قلبه، فيكون هو والجاهل سواء.
والثاني: الإشارة إلى أنه إذا كان سبب معاندة المشركين جهلا فسبب معاندة الكتابيين هو الحسد، إذ يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، ذلك أنهم بمقتضى كونهم أوتوا الكتاب من قبل ظنوا ذلك اختصاصا اختصوا به، وأنهم أولى أن تكون الرسالة فيهم دون غيرهم، (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. . .)، وبذلك سكن قلبهم الحقد والحسد، وحيث كان الحسد كانت العداوة وكان العمى عن إدراك الحقائق.
الثالث: التعبير عن نزول الأذى بسماعه، وقال سبحانه:
(وَلَتَسْمَعنَّ مِنَ الَّذِينَ أوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا) والذي يُسمع هو كلام، وعبر عنه بالأذى لأنه يؤدي إلى أذى، وموضوعه أذى، وهو في ذاته أذى، فكأن الأذى في ذات القول، ولذلك كان مفعولا للسماع، ووصفه سبحانه وتعالى بأنه أذى كثير، وذلك ليبين لهم ما يوجب استعدادهم لسماعه، من أذى ليس بقليل في مقداره، ولا في نوعه، ولا في موضوعه، فالكثرة ليس المراد منها المقدار فقط، بل الكثرة تشمل المقدار والنوع، والطريقة والموضوع.
وقد بين سبحانه وتعالى العلاج في هذا البلاء:(وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ).
الصبر ضبط النفس وحبسها عن الجزع، وحبسها على العمل واتخاذ الأهبة، وحبسها أيضا مع أهل الإيمان كما قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ