للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مفردات الأصفهاني: " الفكرة قوة مطرقة للعلم، والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة قى القلب، ولهذا روى: " تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله، إذ كان الله منزها عن أن يوصف بصورة. . " (١) قال بعض الأدباء: (الفكر مقلوب عن الفرك، لكن يستعمل الفكر في المعاني، وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها).

والتفكر في السماوات والأرض له ثلاث درجات بعضها أعلى من بعض، أدناها أن ننظر إلى السماء وما فيها من نجوم وكواكب وشمس وقمر وأبراج، وما فيها من نظام بديع محكم، وهذه هي النظرة العامة التي تكون لذوي الألباب وغيرهم، لأن هذه النظرة أساس الحس وإشراق المحسوس.

والمرتبة الثانية التفكر في خلقها وأسرار وجودها ونواميسها وقوانينها، وهذا ما يفكر فيه علماء الكونيات الذين يعرفون ما اشتمل عليه الكون من قوى وما أودعها الخالق من أجرام وقوانين لسيرها.

المرتبة الثالثة وهي أعلاها، وهي النظرة التي تتجه إلى الخالق من وراء المخلوق، فيتدبر الكون وما فيه ليدرك عظمة المبدع، فيتعرف من جمال الصنعة جلال الصانع، وهذا النوع هو المذكور في هذه الآية وهو أعلى مراتب العبادة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا عبادة كالتفكر " (٢) وقد كان بعض الصحابة يقول: " إن ضياء الإيمان التفكر ".

وإن هذا النوع الأخير مِن التفكر يجعل القلب يخضع واللسان يخشع فينطق مستشعرا عظمة الله قائلا: (ربَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).


(١) جاء في الفتح الكبير (٥٤٣٠) ج ٢، ص. ٣١: تَفكرُوا في كُلٍّ شَيء ولا تَفكَّرُوا في ذات الله تعالى فإنَّ بَيْنَ السَّماء السَّابعَة إلى كُرْسيه سَبْعَةَ آلافِ نُور وَهُوَ فَوْق ذَلكً (أبو الشيخ في العظَمة) عن ابن عباس. وذكرة الحافظ ابن حجر فَيَ الفتح (باب ماً يذكر في الذات والمنعوت وأسامي الله): جاء في كتاب الله لعبد الله بن أحمد - من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: " تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السماوات والأرض سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك " موقوف وسنده جيد.
(٢) رواه القضاعي في مسند الشهاب ج ٢، ص ٣٩: (٨٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>