للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبين سبحانه تعميم الجزاء لكل عامل بذكر النوعين اللذين خلقهما الله تعالى في هذا الوجود، فقال: (مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) فلا فرق في الجزاء بين الذكر والأنثى. ويروى أن السيدة أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله ألا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَملَ عَامِلٍ منكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) (١).

وفى التعبير باللفظ السامي (ربهم) إشارة إلى أن الذي يجزيهم هو خالقهم ومربيهم والمنعم عليهم، وفيه مشاكلة بين لفظ الدعاء والإجابة، ومعنى قوله تعالى: (بَعْضُكُم مِّنْ بعْضٍ) أي أن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، فأنتم جنس واحد يتمم بعضه بعضا، فلا تُحرَم الأنثى جزاء ولا يحابى الذكر دونها، فهذا النص السامي فيه تعليل لمعنى التسوية في الجزاء بين الذكر والأنثى. وبعض العلماء فسر قوله تعالى: (بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ) أنها لعموم أجناس الناس، أي أنكم جميعا أيها الناس بعضكم من بعض لَا فرق بين عربي وأعجمي، ولا أسود ولا أبيض، فالجزاء من جنس العمل أيا كان العامل (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. . .)، وهذا النص الكريم يشير إلى عدة معان سامية:

أولها: أن المرأة ليست شيطانة ولا نجسا، بل لها كل ما للرجل وإن كان له درجة في الدنيا لتنظيم الحياة.

وثانيها: أن العمل له جزاؤه من غير نظر إلى قبيلة العامل أو لونه.

ثالثها: أن استجابة الله ثابتة من وقت عمل العامل.

وقد بين سبحانه الأعمال التي استحقت الإجابة من هؤلاء الأبرار، فقال: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ).


(١) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، وأخرجه الترمذي: تفسير القرآن - ومن سورة النساء (٢٩٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>