للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن صحت هذه الرواية عن ابن عباس (١) فإنها تدل على أنه اتجه إلى عدل الله ورحمته بعباده، وفتحه باب التوبة والمغفرة. وإلا فإن القرآن كله بكل سورة وآياته خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت.

وسورة النساء هي سورة الإنسانية، ففيها عَيَّن القرآن الكريم العلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض، وما ينبغي أن تنهجه المجتمعات الفاضلة في جعل العلاقة الإنسانية الأصيلة تسير في مجراها الطبيعي الذي رسمه رب العالمين بمقتضى الفطرة، وفيها ما حده الله - تعالى - لعلاج الانحراف الذي ينحرف به ذوو الأهواء من الآحاد والجماعات.

ابتدئت السورة الكريمة ببيان الارتباط الإنساني الجامع الذي تلتقي عنده البشرية جميعها، فقال - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَبئَ مِنْهَا زَوْجَهَا. . .)، وإذا كان الناس جميعا ينتهون إلى أصل واحد فإنه لَا بد من التساوي، ولا بد من التراحم لهذه الرحم الواصلة، ثم إن أول مظاهر التراحم هو الأخذ بيد الضعفاء، وأوضح الضعفاء مظهرا أولئك اليتامى الذين لَا عائل يعولهم، وإن اليتيم المقهور هو الذي يتولد فيه الانحراف، ومن الانحراف تكون العداوة، ويكون الشر المستطير، ولذلك ابتدئت السورة بعد إثبات الوحدة الجامعة بعلاج اليتم لتكون الجماعات في طريق المودة.

واليتيم لَا يحتاج فقط إلى الغذاء والكساء بل يحتاج إلى المودة والإصلاح في نفسه وماله: (وَلْيَخْشَ الَّذين لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).

وفى سبيل بيان حقوق اليتامى يبين - سبحانه - نظام التوزيع المالي للأسرة عندما يموت واحد منها، فيبين الميراث وأنه حد لله تعالى للحقوق المالية لمن يخلفون المتوفى في ماله، وأن الانحراف عنه عصيان لله تعالى.


(١) رواها ابن جرير الطبري في تفسيره، وروى الحاكم بإسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن ابن عباس أنه قال: سلوني عن سورة النساء؛ فإني قرأت القرآن وأنا صغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>