للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا هو موضوع قوله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا. . .).

هذا، وإن الرجل هو الراعي، وهو المسئول عن هذه الرعية، ولذلك خاطب الله تعالى الأزواج بقوله تعالى:

(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أمر الله سبحانه وتعالى الأزواج بالعشرة الحسنة، بالمعروف، وإن العشرة هي المخالطة والممازجة بحيث تلتقي النفسان، ومن طبيعتها أن تكون في ألفة لَا في نفرة، وقد أطلقت العشرة على المعاملة، والمراد بالمعروف أن يعامل الرجال أزواجهم معاملة تليق بأمثالهن من غير أن يكون منهم ما يستنكر عقلا أو شرعا، أو عادة، فهو يؤنسها ولا ينفرها، ويقربها ولا يبعدها، وكان الأمر بالعشرة الحسنة بعد الإشارة إلى ما قد يكون منهن من نشوز وبذاءة وفحش في القول، لبيان أنه لَا يسوغ لرجل أن يفترق لمجرد ظهور النشوز منها، بل يعالجها بالرفق، وإزالة أسباب النفرة إن أمكن. وإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعاشرون أزواجهم على أكمل ما تكون العشرة، ويقربونهن بكل وسائل التقريب، حتى إن ابن عباس كان يقول: إني أتزين لامرأتي كما تتزين لي. وقد يكون سبب النفرة من الرجل نفسه، وإنه ليروى في ذلك أن امرأة ذهبت إلى الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطلب الفراق من زوجها، فرأى عمر الزوج، وإذا هو أشعث أغبر خَلِق الثياب مستطيل الشر، فأدرك بثاقب نظره أن النفرة من هذه الحال، فأخلها وأرسله إلى المغتسل فاغتسل، وألبسه ثيابا حسنة، وأزال شعثه، ثم ناداها، فسألها: أمُصِرة على ما تطلب؟ فلما رأت زوجها على حاله الجديدة عدلت عن طلب الطلاق.

وإن معاملة المرأة بالحسنى دليل على كمال الرجولة والْخُلقُ، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى " (١).


(١) رواه ابن ماجه: النكاح - حسن معاشرة النساء (١٩٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>