للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحرص والتنازع على طلبه بِحِل أو بغير حل، وهذا شأن من يأخذون الباطل يستمتعون به كما يستمتع الآكل بالطعام. وعبَّر بأموالكم للإشارة إلى أن مال آحاد الأمة مال الأمة موزعا بين آحادها بتوزيع الله تعالى الذي قسم الأرزاق، وأن المال كله في حماية المجتمع، ولو كان مملوكا ملكا خاصا. وذكر كلمة (بَيْنَكُم) للإشارة إلى أن التبادل بين الآحاد يكون على أساس من الحق، ولا يكون بالباطل، والباطل هو الطرق الحرمة لجمع المال كالربا والرشوة والسرقة والغصب والنصب والتزوير والغش والتدليس والاحتكار الآثم، وغير هذا من الأساليب التي لا تبيحها شريعة ولا يبيحها قانون.

(إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ منكُمْ) الاستثناء هنا منقطع، والمعنى لكن يباح لكم أخذ المال بالتجارة الناشئة عن تراض، فلا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس أخيه (١)، كما ورد في بعض الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد يسأل سائل: لماذا جاء هذا بعد النهي عن أكل مال الناس بالباطل؟ والجواب عن ذلك أن بعض ما يستباح مما حرمه الله يشّبه بالتجارة، فالذين يأكلون الربا يشبهون الزيادة بالكسب الذي يجيء من البيع والشراء، ولذلك حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم قالوا: (. . . إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْل الرِّبَا. . .)، ورد الله قولهم: (. . . وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا. . .)، وبهذا بيّن الله سبحانه وتعالى حل التجارة حتى لَا يتوهم أحد أن مكاسب التجارة من أكل أموال الناس بالباطل، فإنها مال حلال ما دام أساسها التراضي وطيب النفس.

والتراضي أساس العقود عامة وأساس المبادلات المالية خاصة، فلا بيع من غير تراض ولا شراء ولا إجارة ولا شركة ولا غيرها من عقود التجارة ما لم يتحقق الرضا. وقد وسع الفقهاء الباب للرضا، فأباحوا للعاقد أن يفسخ العقد إذا خفيت العيوب ولم تظهر، لأن الرضا لم يكن على أساس سليم، وأباحوا للعاقد


(١) " إِنهُ لَا يَحِل مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " جزء من حديث رواه أحمد (٢٠١٧٢): أول مسند البصريين عن عم أبي حرة الرقاشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>