للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) وإن الله سبحانه وتعالى عفوٌّ غفور رحيم بعباده، لَا يكتفي بمنع الظلم عمن يحسن، بل إنه يضاعف الأجر لمن يحسن، و " تَكُ " أصلها " تكن " حذفت النون و " كان " هنا ناقصة، والمعنى: وإن تكن الفعلة حسنة تكون مضاعفة، ومعنى يضاعفها أي يكون بدلها أمثالا كثيرة لها. وقد قيل: إن الفرق بين المضاعفة والتضعيف أن المضاعفة تكون بأضعاف كثيرة، والتضعيف يكون بضعفين اثنين، والمؤدى أن الحسنة تكون بأمثال كثيرة لها كقوله تعالى:

(مَن ذَا الَّذِي يقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)، وقوله تعالى: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، فالله سبحانه وتعالى لَا ينقص من عمل الخير شيئا بل يضاعفه في الآخرة، وإن الله سبحانه وتعالى فوق هذا الجزاء المضاعف أضعافا كثيرة يزيد المحسن من عطائه، ولذا قال سبحانه: (وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) أي أن الله تعالى يعطي عطاءً كثيرا، غير ملاحظ فيه المثلية والمضاعفة، بل إنه سبحانه فوق مضاعفة الحسنة بأمثالها، يعطي عطاءً سمحا غير مقيد بالمضاعفة، بل إنه يكون سماحا، وكرما من الله تعالى. وسمى ذلك العطاء أجرا، وهو في الحقيقة ليس في مقابل عمل؛ لأن مقابلة العمل كانت بالأمثال السابقة؛ لأن الأجر قد يطلق على مطلق العطاء، وإن لم يكن له مقابل، وتفضل الله تعالى في كرمه فسماه أجرا، وإن لم يكن له نظير، فهو أجر غير ممنون.

وقد عظم الله سبحانه وتعالى ذلك العطاء غير المنون بوصفين.

أحدهما: أنه عظيم في ذاته ذو جلال وشأن، فهو رضوان الله تعالى، ونعيم مقيم، وجنات فيها ما لَا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

والثاني: أنه عطاء من لدن الله تعالى، فهو قد نال شرفا إضافيا بأنه من الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>