للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا هو القول الأول - والقول الثاني أن المشار إليهم في النص الكريم هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي أكثر الأمم عددا؛ لأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أكثر الأنبياء تابعا؛ إذ دينه لم يحرف ولم يبدل، فقد حفظت أصوله في القرآن الكريِم، وهو نور الله تعالى الباقي إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وإن الكثيرين على الأول، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادتان إحداهما شهادته للرسالات السابقة بالصدق والبيان، وقد اطلع على هذه الشهادة المسلمون ببيان القرآن، والثانية شهادته على أمته، وقد جمع الشهادتين قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وإن تلك منزلة عالية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين به إيمانا صادقا الذين يذعنون للحق دائما، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعظم أمر هذه الشهادة، فقد روى أحمد في مسنده، والبخاري في صحيحه، والترمذي والنسائي في سننهما، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأ عليَّ، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: " نعم أحب أن أسمع من غيري "، فقرأت سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)، فقال: " أمسك وفي رواية: " حسبك الآن "، فإذا عيناه تذرفان (١). وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفرط إيمانه بالله تعالى تخوف يوم الحساب والعقاب، واستعظم تلك الشهادة التي وضعت في عنقه، وهي أعظم أمانة، فسالتْ عبرات عينيه - صلى الله عليه وسلم - (٢).

* * *


(١) متفق عليه، وهذا الفظ في صحيح البخاري: تفسير القرآن - (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (٥٤٨٢)، فضائل القرآن - قول المقرى للقارئ: حسبك (٥٠٥٠)، ورواه مسلم: صلاة المسافرين - فضل استماع القرآن (٨٠٠). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) وفي البحر المحيط ج ٣، ص ٦٤٢: وبكاؤه - والله أعلم - هو إشفاق على أمته ورحمة لهم من هول ذلك اليوم. وقال الآلوسي ج هـ، ص ٣٣: " فإذا كان هذا الشاهد تفيض عيناه لهول هذه المقالة وعظم تلك الحالة، فماذا لعمري يصنع المشهود عليه؟! وكأنَّه بالقيامة وقد أناخت لديه. . ".
وفى الدر المنثور ج ٢، ٥٤٠: وأخرج ابن أبي حاتم والبغوي في معجمه والطبراني بسند حسن =

<<  <  ج: ص:  >  >>