والثاني التيمم في حال الإقامة إذا لم يوجد الماء، ويكون قوله تعالى:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) متصلا بحال السلامة والإقامة، وهو معقول، إذ المرض يسوغ التيمم، ولو كان ماء، والمسافر قد يجد الماء ولكن يحتاج إليه للشرب، والإقامة التي لَا يكون فيها الماء، ويكون فقده هو المبرر وحده.
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) التيمم معناه في اللغة القصد، وأطلق شرعا على القصد إلى التراب لمسح الوجه واليدين به، ولذا قال:(فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، أي اقصدوا ترابا على ظاهر الأرض طاهرا. فالصعيد هو سطح الأرض، والتيمم من التراب الثابت فيه، ومعنى الطيب الطاهر، فمادة التيمم تراب طاهر، والتيمم عبادة يتقدم بها إلى الصلاة، والأمر فيها تعبدي، لَا يبحث عن علته، ولكن الطاعة فيه تدل على قوة الإيمان، وهو كيفما كان رمز لخلوص القلب وصفاء النفس بالاتجاه إلى الله تعالى. وينقض التيمم ما ينقض الوضوء، كما ينقضه وجود الماء والقدرة على استعماله قبل انتهاء وقت الصلاة أو قبل أدائها به، فإجماع العلماء أن على من وجد الماء أو قدر على استعماله قبل أداء الصلاة - نقض تيممه ووجب عليه الوضوء.
وقد بين سبحانه وتعالى أركان التيمم فقال:(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أي امسحوا وجوهكم وأيديكم بالتراب. وقد اتفقوا على ضرورة مسح الوجه كله كالوضوء، والأكثرون على أن مسح اليدين إلى المرفقين، وهو المنصوص عليه في القرآن بالنسبة للوضوء، فقد قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)، والأكثرون بالنسبة للتيمم على أنه من ضربتين: إحداهما للوجه، والأخرى لليدين، ومسح اليدين يكون ظهرا وبطنا، ليعم المسح أجزاءهما.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بهذا النص الكريم لبيان أن الله تعالى متصف بالعفو، فلا يختار لعباده إلا السهل اليسير الذي يسهل عليهم أداؤه من غير مشقة مرهقة، ويعفو عن التقصير في الواجبات الأصلية