للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العناد بأكثر من ذلك وإنهم يردفون ذلك القول العاصي الذي يرددونه فيما بينهم بكلام من جنسه فيقولون: (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمعٍ)، وقولهم (وَاسْمَعْ) المراد به اسمع صدى دعوتك لنا وردنا عليها، وقد ذكر الزمخشري أن كلمة (غَيْرَ مسْمعٍ) تحتمل ثلاثة وجوه: أولها: أن يكون المعنى الدعاء على النبي الكريم بأن يصاب بالصمم فلا يسمع، أو لَا يسمع خيرا قط. والوجه الثاني: أن يكون المعنى غير مُسْمَع كلامُك فلا يجاب ولا يقبل. والوجه الثالث: ما ذكره بقوله رضي الله عنه: " ويجوز أن يكون غير مسمع مفعول اسمع أي اسمع كلاما غير مسمع إياك؛ لأن أذنيك لَا تعيه نبوا عنه "، وإنّا نختار ما عليه أكثر المفسرين، وهو أن يكون مرادهم لعنهم الله الدعوة عليه، عليه الصلاة والسلام بعدم السماع، وذلك هو الذي يتفق مع ما عرف عنهم من حقد وحسد للناس على ما آتاهم الله من فضل، وما أُودعت نفوسهم من بغض للناس وكره لهم، لحسبانهم أنهم المستحقون للتكريم والرفعة وحدهم بزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، زادهم الله خزيًا في الدنيا، وعذابا في الآخرة، وزاد الله محمدأ - صلى الله عليه وسلم - وشريعته رفعة وتكريما وإعزازا. وإن هؤلاء لعنهم الله يلوون ألسنتهم طعنا في الدين، ولذلك حكى الله عنهم ذلك فقال:

(وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) بدل أن يعبروا في خطابهم بقولهم: " انظرنا " نظرة رعاية ومحبة طالبين منه الإقبال عليهم، وإن كان ذلك موجودا، يقولون (وَرَاعِنَا) يفتلون بها ألسنتهم ويحولونها عن المعنى الظاهر لها إلى معنى غير قويم ولا مستقيم، وهو رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرعونة والسفه، ويطعنون بذلك في الدين الذي يدعو إليه، والحق الذي ينفذه. وقد جاء في مفردات الراغب في تفسير قولهم: (وَرَاعنَا): قال الله تعالى: (. . . لَا تَقُولُوا رَاعنَا. . .)، (وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) كان ذلك قولاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التهكم يقصدون رميه بالرعونة، ويوهمون أنهم يقولون: (راعنا) أي (احفظنا) فهم ينطقون بالكلمة على أن النون من بنية الكلمة، وليس ضمير المتكلمين، وذلك لَيُّ اللسان وفتله، والطعن في الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>