للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ) الحرج الضيق والتململ من الحكم أو الشك في صحته، والمعنى: أن من مظاهر الإيمان أن يقبلوا التحاكم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداء، وإذا صدر الحكم لَا يشكون في صحته، ولا يضيقون ويتبرمون به، بل يتقبلونه بقبول حسن؛ لأن قبول الأحكام على أنها من عند الله ينهي الخصومات، ويلقي بالسلام بعدها؛ لأنهم تحاكموا إلى ذي الجلال والإكرام. وقد تكلم العلماء في العطف بـ " ثَمَّ " بدل الفاء أو الواو، فقال إن " ثُمَّ " تدل على التراخي، وكأن الله يغفر لهم الإثم الذي يصيبهم عند صدمة الحكم لهم بالنطق به، ولكن عليهم أن يروضوا أنفسهم على القبول والإذعان، من غير ضيق ولا تململ، لكي يكون الحكم حاسما للخلاف قاطعا للنزاع.

(وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) هذا هو الوصف الثالث لأهل الإيمان بالنسبة لأحكام الشرع الشريف. والتسليم معناه الانقياد والإذعان التام في المظهر والحس. وإذا كان الوصف الثاني لبيان الخضوع النفسي، فهذا الوصف الثالث لبيان الخضوع الحسي الظاهر. وقد أكد سبحانه وتعالى التسليم بالمصدر فقال " تَسْليما " للإشارة إلى وجوب الإذعان المطلق من غير أن يثيروا أي شبهة حول الحكم، ولا أن يماروا فيه مراءً ظاهرا، فإن المراء قد يثير نزاعا جديدا، والقضاء يجب أن يكون حاسما قاطعا.

وأصل التسليم هو تقديم النفس، وجعلها خالصة لمن يسلم إليه. يقال: سلَّم لأمر الله وأسلم له. إذا جعل نفسه خالصة لله تعالى، ثم أطلق التسليم على الانقياد الظاهري، وعدم المماراة فيما يقرره الشرع من حقوق وواجبات.

ويجب التنبيه إلى أن التحاكم إلى النبي بعد وفاته هو التحاكم إلى كتاب الله تعالى وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيجب أن يعلم كل من يُسمى نفسه مسلما أن الله تعالى يقرر أنه لَا يؤمن من لَا يتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، ثم لَا يجد ضيقا في حكم الشرع، بل يرضى به، وينقاد له انقيادا ظاهرا وباطنا. وإذا كان ذلك ما يقره الشرع، فليعلم المسلمون اليوم مكانهم من الإيمان، وقد ارتضوا حكم القوانين

<<  <  ج: ص:  >  >>