للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من مات تحت حرّ العذاب الشاق، ثم هاجروا وخرجوا من ديارهم، وهؤلاء أصحاب الأخدود الذين آذوا المؤمنين، فصبروا، وهم يلقون في النيران وقد قال سبحانه وتعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨).

(وَلَوْ أَنَهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) وإذا كان الله سبحانه لَا يكلف ما يشق أداؤه، ولا يمكن احتماله، إلا لعدد من الأقوياء جعلوا منار الهدى أمام الناس في كل العصور، فإنه سبحانه يكلف الناس ما فيه خيرهم وتثبيتهم على الحق.

ومعنى النص السامي (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ): لو ثبت أنهم فعلوا ما يكلفونه من تكليفات محتملة بينت لهم فيها نتائجها وثمراتها، لكان فيها الخير لهم في الدنيا والآخرة، ففي الآخرة يكون الثواب العظيم والنعيم المقيم، وفي الدنيا يكون العدل والفضيلة، والمصلحة الحقيقية، وهذه الأمور هي خير الدنيا. فالشرع الإسلامي بني على هذه الأمور الثلاثة: الأول الفضيلة المهذبة للنفس، الموجهة إلى توثيق العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، والعبد وربه، والسعي نحو الكمال الإنساني، والمنزلة الرفيعة. والثاني العدالة التي هي الميزان في العلائق الإنسانية التي ينتظم بها معاشهم ومعادهم، والثالث المصلحة الحقيقية، فما من مصلحة حقيقية ليست هوى ملحا ولا شهوة جامحة - إلا دعا إليها الإسلام، وما من حكم جاء به التكليف الإلهي إلا طويت فيه المصلحة، وكانت نتيجة وثمرة للأخذ به.

ومعنى قوله تعالى: (وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) أي يكون في الأخذ بالتكليف الذي يطاق تثبيت على الحق، هو أشد تثبيت وأقواه. وكان في التكليف الذي يطاق تثبيت للحق، لأنه يمكن الاستمرار عليه، والاستمرار على فعل ما هو حق يثبته ويقرب الغاية منه، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى المداومة على الخير ولو كان

<<  <  ج: ص:  >  >>