الذي يحوطهم ويكلؤهم، وأنه وحده الذي يملك أمرهم أخرجنا من هذه المدينة الكبيرة، وهي مكة، التي يظلمنا أهلها، والظلم شأن من شئونهم، ويضرعون إليه سبحانه أن يجعل لهم وليا ينتمون إليه، وولاية قوية يشعرون تحت سلطانها بالعزة والكرامة، ويبتعدون عن ولاية الكافرين الظالمة العاتية الباغية، وأن يجعل لهم من ينصرهم، ويخرجهم من نير أهل الكفر، فهاهنا ثلاثة مطالب متلاحقة لهم توجهوا بها إلى ربهم:
أولها: الإخراج من نير الظلم، وحكم الظالمين.
وثانيها: أن يكونوا تابعين لولاية دولة الله، وهي الدولة الإسلامية، فلا يخرجون مشردين لَا دولة تحميهم، ولا ديار تؤويهم.
وثالثها: أن يكون لهم من الله نصير دائم ينصرهم، فلا يتمكن الأعداء وهنا بحوث بلاغية:
أولها - أن المراد من القرية مكة، وقد وصف أهلها بأنهم ظالمون، ولم توصف هي بأنها ظالمة، كما وصف غيرها من القرى مثل قوله تعالى:(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)، وذلك تكريم لمكة، إذ هي حرم الله الآمن، ولم يمكن أن يوصف حرم الله الآمن بالظلم، ولو على سبيل المجاز والتقدير. وقد قال ناصر الدين السكندري في كتابه " الانتصاف " في هذه الآية ما نصه: (ووقفت على نكتة في هذه الآية حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز، فالظلم إليها ينسب بطريق المجاز، كقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَة كَانَتْ آمِنَةً مطْمَئِنَّةً)، إلى قوله تعالى:(فكفرت بأنعم الله)، وقوله تعالى:(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)، وأما هذه القرية في سورة النساء، فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة، لأن المراد بها مكة، فوُقِّرت عن نسبة الظلم إليها، تشريفا لها، شرفها الله تعالى).