للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يتخذ الأسباب أو يخالف المنهاج السليم الموصل إلى الثمرة، أو لَا يتوكل على الله تعالى ولا يفوض إليه، فإنه سيناله ما يسوؤه، وبسبب منه، فالأول إيان القَدَر، والثاني لبيان العمل.

وهذا هو التخريج الأول، والتخريج الثاني أن يكون: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسكَ)، من حكاية قول المنافقين والضعفاء في إيمانهم، لأن آخر الآية السابقة: (فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)، ثم ذكر سبحانه حديثهم الذي لم يفقهوه، وهو قولهم: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) إلخ، ويكون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم يقولون: ليس لك من فضل في النصر الذي تناله، فإن ما أصابك من ظفر فمن الله، وما أصابك من هزيمة فمن نفسك! وقد ذكر هذا التخريج القرطبي، وقال: " والمعنى: فمال هؤلاء القوم لَا يكادون يفقهون حديثا، حتى يقولوا: ما أصابك الله من حسنة فمن الله! ".

ويكون ذلك الكلام على هذا التخريج ترديدا لقولهم: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، ويكون في الأول الحديث عن أنفسهم، وفي الثاني الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي الأول معنى التطير والتشاؤم، وفي الثاني تجريد النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل فضل!.

وهم في الأمرين خارجون عن الطاعة متمردون، وقد رد الله تعالى كلامهم بقوله سبحانه:

(وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) وإنا أيها النبي قد شرفناك برسالتنا، فأرسلناك رسولا فقط، لَا تتكفل بالأرزاق، ولا تهب النصر، ولا تمسك مقاليد الكون، ولست تملك من أمر نفسك شيئا، إنما أنت مكلف بالتبليغ فقط، فإن بلغت فما عليك شيء، وإن اتخذت الأسباب في الحروب للظفر، وتوكلت على الله، فإن الله مانحك النصر، ومعطيك الغلب، وإن خالف من معك ما سننت لهم من منهاج للظفر، فإن الهزيمة واقعة بهم، ولست مسئولا عما يصيبهم

<<  <  ج: ص:  >  >>