للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا)، وقوله تعالى: (أَوْ جَاءُوكُمْ حصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي ضاقت).

ويظهر أن مادة (حصر) تكون من باب نصر ومن باب فرح، وإذا كانت من باب نصر تكون دالة على التضييق على الغير تضييقا حسيا، وإن كانت من باب فرح تكون لازمة ودالة على ضيق النفس. والمعنى على هذا أن هؤلاء ضاقت نفوسهم، وصاروا في حرج لَا يستطيعون قتال المسلمين، ولا يستطيعون قتال أقوامهم، فهؤلاء مسالمون، لأن الله كفى المؤمنين أمرهم، ولأنهم لَا يعدون منافقين، ولقد حرض الله سبحانه المؤمنين على مسالمتهم رغبة في السلام، فقال سبحانه:

(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) أي أنه من رحمة الله بكم أن قلل أعداءكم، وأضعف شأن الذين يقاتلونكم، بأن يخرج من بين صفوفهم من يسالمونكم، وإن الله ناصركم في هذا بأمرين: بتقوية جمعكم، وإضعاف شأن عدوكم، ولو شاء سبحانه أن يكونوا جميعا عليكم ولا يخرج منهم من يسالمكم، وجعل أولئك الذين يمدون يد السلام مسلطين عليكم بالقتل والقتال، لكان ذلك، وليس في مصلحتكم، فاختاروا ما أمركم الله به، وهو مسالمة أولئك الذين يسالمونكم، وقد خرجوا من بين أقوامهم.

ولقد أكد سبحانه هذا المعنى بقوله تعالى:

(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) أي فاقبلوا من هؤلاء المسالمة، إن اعتزلوا قتالكم، ولم يكونوا مع أعداثكم عليكم، ولم يريدوا أيضا أن يكونوا معكم على أقوامهم، وألقوا إليكم السلام غير معاندين، ولا مخالفين، فاقبلوا ذلك منهم، ولا تحاربوهم، لأنهم لا يقاتلونكم ولا يؤلبون عليكم، ولا يعتدون، والله تعالى يقول: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحبُّ الْمُعْتَدِينَ)،، وما داموا لا يقاتلون لَا يحل قتالهم، وإلا كنا معتدين. والقتال في الإسلام شرع

<<  <  ج: ص:  >  >>