وقاية لهم، إن اشتدت الشديدة على أقوامهم! وإنه لَا يحمى دم هؤلاء في القتال إلا إذا كانوا قد ألقوا السلام، واعتزلوا القتال مع أقوامهم، أو كانوا يصلون إلى قوم قد ارتبط المسلمون معهم بميثاق عدم اعتداء، وإن التفرقة بين هذه العناصر قد يقع معها الخطأ، ولذا ذكر القرآن الكريم الخطأ في هذه الأحوال الثلاث: وهي قتل المؤمن الخطأ لمؤمن قائم مع المؤمنين، وقتل الخطأ لمؤمن من قوم أعداء، وقتل الخطأ من قوم لهم ميثاق، حتى إذا وقع الخطأ كان الحكم بيّنا، ولذا قال تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقتلَ مؤْمِنًا إِلَّا خَطَئًا)" ما كان " النفي هنا ليس لنفي الوقوع، أي نفي أن يقع قتل خطأ، وإلا ما وقع ذلك أبدا، لكنه يقع، بل النفي بمعنى عدم الجواز والنهي عنه، مثل قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)، ومثل قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦).
والمعنى على ذلك ما ساغ ولا جاز ولا أبيح أن يقتل مؤمن مؤمنا قط، فإن ذلك أمر محرم تحريما قاطعا، لكن إن كان خطأ، فإن ذلك قد يكون معذرة يعتذر بها؛ لأن الله تعالى رمع عن أمة محمد إثم الخطأ، إذ قال عليه الصلاة والسلام:" رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "(١)، وليس على المؤمن إثم القتل إن قتل خطأ، وإن كان يجب الاحتراز من الخطأ. وإن التقصير لَا يخلو من مؤاخذة، ولذلك قال الزيلعي من فقهاء الحنفية:" وبهذا النوع من القتل (أي الخطأ) لَا يأثم إثم القتل، وإنما يأثم إثم ترك التحرز، والمبالغة في التثبت؛ لأن الأفعال المباحة لَا تجوز مباشرتها إلا بشرط ألا تؤذي أحدا، فإذا آذى أحدا فقد تحقق ترك التحرز ".
والقتل الخطأ يتصور في ثلاث صور: أولاها - أن يرمي هدفا، فيصيب إنسانا معصوم الدم، بأن تنحرف الرمية.
(١) رواه بهذا اللفظ الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه، كما في الفتح الكبيرج ٢، ص ١٢١، برقم (٦٦١٩)، والجامع للسيوطي جـ ٤، ص ٤٠١ برقم (١٢٥٦).