للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنص الكريم يبيح قصر الصلاة، ووردت السنة بأن الصلوات التي عدد ركعاتها أربع ركعات يقصر إلى اثنين، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء، والنص الكريم قد اقترن القصر فيه بشرط مخافة العدو أن يفتن المؤمنين في سفرهم، بأن يكون المؤمنون غير آمنين من أن يدهمهم عدو في سفرهم، فهم يقصرون الصلاة، حتى يكونوا في حال استعداد مستمر، ولا تشغلهم الصلاة عن الحذر منه. وقد قوى هذا بأن الآية الكريمة التي أعقبت هذه الآية كانت خاصة بصلاة الخوف التي تكون في الميدان، فبمقتضى ظاهر النص يكون القصر عند الخوف من العدو، وأن القصر مع صلاة الخوف يكون عند لقاء العدو.

ومعنى الفتنة هنا هو إنزال الأذى بالمؤمنين، بأن يجعلهم في حال شدة، وينزل بهم كارثة بمداهمتهم وقتلهم أو الانقضاض عليهم، وهم ليسوا في حال استعداد للقتال.

وبهذا يكون قد ثبت بالنص القرآني قصر الصلاة، في حال خوف الفتنة من الذين كفروا، وصاروا في عداوة مستمرة للمؤمنين بسب كفرهم. ولكن ثبت بالسنة القصر في الصلوات التي عدد ركعاتها أربع في حال سفر، ولو لم يكن السفر في موضع مخوف، وقد ثبت هذا بالسنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتي أجمعِ الصحابة عليها (١). ويصح أن نقول أن قوله تعالى: (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِين كَفَروا) لم يكن إلا في بيان القصر في حال خوف الفتنة من الذين كفروا؛ لأن السياق كله كان في الجهاد، ولكن يمنع ذلك الفرض أن النص جاء في مطلق سفر، لَا لأجل الجهاد.


(١) من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه: صلاة المسافرين وقصرها (٦٨٦)، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتُ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>