للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسواء أصح ذلك الخبر سببا للنزول أم لم يصح، فإن الآية لها صفة العموم، وتفسر بعمومها، لَا بخصوص سببها، ومعنى النص الكريم على ذلك: إن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم المكتوب المسجل ليحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما توجبه نصوصه، وبما يريه الله تعالى وينير قلبه لإدراك الحق.

وهنا ثلاث إشارات بيانية:

الأولى - أن الله تعالى عبر عن القرآن بـ " الكتاب " للإشارة إلى أنه مكتوب مسجل مدون، باق إلى يوم القيامة.

الثانية - كلمة " بالحق "، والباء تدل على الملابسة والاتصال والمعية، فهو مع الحق، وبالحق، وناطق بالحق، ومشتمل عليه، ولا شيء في هذا الكتاب إلا ما هو حق، ولا يخالفه إلا ما هو باطل.

الثالثة - قوله تعالى (بمَا أَرَاكَ اللَّهُ)، فإنها مقابلة لقوله تعالى: (إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ)، وهذه المقابلة تقتضي أن تكون كلمة (بِمَا أَرَاكَ اللَّه) لها معنى خاص، وهو النظر بنور الله تعالى في الأقضية التي يقضى فيها، فالقاضي لكي يكون قضاؤه عدلا لابد من أمرين: أحدهما - قانون عادل هو الحق من كل نواحيه، وهو هنا الكتاب الكريم، الذي لَا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - والثاني - أن يكون فحصه للقضية ببصيرة نيرة نافذة، وقلب مشرق مدرك، وهذا يكون بنور الله، وهو للنبي ما عبر عنه بقوله تعالى: (بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ).

ولكن نور الحق لَا يكون إلا إذا نظر القاضي فيما يعرض عليه نظرة غير متحيزة، ولا منحرفة، وهذا هو ما نهى الله عنه نبيه، والنهي لعموم أمته، ولذا قال تعالى:

(وَلا تَكُن للْخَائنينَ خَصيمًا) تبادر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في القصة السابقة أن من فيه صلاح وإسلام يكون علي الحق، فانحاز فكره ككل البشر، فالله سبحانه وتعالى نبهه، تعليما لأمته، ولكل قاض من بعده، إلى أنه لَا يجوز أن ينحاز فكره إلى أحد الخصمين، فعسى أن يكون هو الخائن، وغيره هو البريء، ولابد أن يسمع البينات، ويجعلها هي الحاكمة. والخصيم بمعنى المخاصم، كالجليس بمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>