للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجدال في أصل معناه اللغوي مشتق من الجدْل بمعنى الفتل، أي تقوية الحجة، ويكون المجادل كمن يفتل الحبل ويقويه. وقيل إنه مأخوذ من الجدالة، والجدالة هي الأرض، فكل واحد من الخصمين يكون كالمصارع يريد أن يلقى صاحبه على الأرض. وإطلاق الجدالة على الأرض منه قولهم: تركته مُجَدَّلا، أي مطروحا على الأرض.

والاختيان، الذي هو مصدر (يَخْتَانونَ أَنفُسَهُمْ)، يُعَرِّفه الأصفهاني في مفرداته بأنه: " تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة "، وتحرك الشهوة لتحري الخيانة قصد إليها وَتَعَمُّد لها، وعمل على إحكامها. والخيانة والنفاف باب واحد، موضعهما من النفس واحد.

ومعنى قوله تعالى: (الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ): الذين يقصدون خيانة أنفسهم، ويتحرونها، ويحكمون إخفاء المستور من جرائمهم. وأضيفت الخيانة للنفس؛ لأن الذين يصنعون ذلك إنما يحدثون في الأمة ذعرا عاما، يعود ضرره على الجماعة، ويعود عليهم أنفسهم، إذ يعيشون في جماعة قد فسد أمرها، وارتابت في شئونها، وضَلَّ عن الناس معرفة الحق، وغاب عنهم لبُّه!! وكذلك لأن تلك الخيانة مغبتها على أنفسهم شديدة أمام الله تعالى، وسيحاسبهم عليها من لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولأن هؤلاء الخائنين الذين يتحرون الخيانة، إنما يحلون فطرهم السليمة عن الفطرة التي فطرهم الله عليها، فيصيب الفساد نفوسهم، وتنحل كل العُرَا فيها، وبذلك تضطرب، وتكون في بلبال مستمر:

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) إذا كان الخائنون الذين تحروا الخيانة وقصدوها، وانحرفوا بفطرهم عن أصلها، ينالون العذاب في الدنيا بالحكم عليهم، وإعراض أهل الفضل عن معاونتهِم، فإنهم لَا ينالون حب الله تعالى، والمعنى الظاهر للنص: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ من كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) هو أن الله تعالى العلي الحكيم، الذي لَا تُرجى محبةَ سِواه، لَا يحب من كانت الخيانة وصفا

<<  <  ج: ص:  >  >>