وإن هؤلاء إذا حاولوا هذه المحاولة أو لم يحاولوها، واستمروا في غيهم يعمهون، فإنهم باستمرارهم في هذه الغواية يسيرون إلى أقصى المدى في الشر، فيبعدون عن الهداية، ولذلك لَا يُضلون إلا أنفسهم، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لن يضل أبدا، وإنهم لَا يضرونه بأي قدر من الضرر، ولا بأي نوع منه؛ لأن الله حافظه، وحافظ من اتبعوه إلى يوم القيامة. وقد بين الله حصانه نبيه، إذ قال:(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) هداية كاملة بالرسالة، بينها الله سبحانه وتعالى بأن الكتاب أنزل عليه مبينا به الشريعة الحق التي لَا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو يحكم بقانون القرآن، وعلَّمه الرسالة، وأنزل عليه الحكمة، وهي الفهم الصحيح، وفقه الوقائع، والمسائل: فلا يقضى إلا بالحق. وقد فسر الإمام الشافعي الحكمة بالسنة، وإن هذا التفسير له موضعه من الحق، فالله تعالى أنزل عليه الوحي بالسنة، فما كان ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وإنه يعلم القرآن، وبالحكمة التي أنزلها على قلبه، قد أنار الله بصيرته، فعلمه علما كثيرا لم يكن يعلمه، وكان فضله بهذه الرسالة، وبهذا القرآن، وبهذه الحكمة، وبهذا العلم النوراني الذي علمه إياه، عظيما لَا حدود لعظمته. وإن هؤلاء الذين يَسعَوْن في الأرض فسادا، كانوا يحاولون أن يضلوا النبي، لولا كتاب الله الذي أنزل عليه، وحكمته التي أوحى بها إليه، وما علمه من علم، وأن أمثالهم في كل زمان، وهم أجرأ على الحكام؛ إذ لَا هداية من السماء تنزل على الحاكمين، فلا حواجز تحجزهم عن السعاية بالشر، فعلى الحكام أن يأخذوا حذرهم منهم، ولا يجعلوا منهم ألسنة تحكي حال غيرهم، بل عليهم أن يقطعوها، والله من ورائهم محيط.