للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال عليه الصلاة والسلام: " ما تأكله العافية فهو صدقة " (١)، أي ما يقدمه الإنسان من قوة بدنية فهو صدقة، فمعونة الضعيف على حمل ما يحمل صدقة، وبهذا التفسير العام لكلمة الصدقة نقول: كل ما يقدم من معونة إنسانية بالبدن أو المال، عطاء أو تركا، وكل ما يتسامح فيه الإنسان: تأليفا لقلب محب، يكون صدقة، بل إن بعض العلماء جعلها تعم كل أبواب الخير، ومن ذلك قوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كل معروف صدقة " (٢).

والأمر الثاني من التناجي المحمود: الأمر بالمعروف في لغة القرآن الكريم معناها ما يقره العقل ولا يستنكره، ويقوي الروابط الاجتماعية، ويقيمها على دعائم من الفضيلة ورعاية الحقوق والواجبات، فالمعروف لفظ يعم كل أعمال البر، وخصوصا الاجتماعية منها: وإن المعروف مقابل المنكر. من حيث معناه، ومن حيث حكمه. فالمنكر هو كل ما يضر الإنسان والمجتمع، وهو منهي عنه، والمعروف كل ما يصلح الإنسان والمجتمع، وهو مأمور به مطلوب. فالتناجي لتدبير خطة إصلاحية، ومبادئ اجتماعية، وقيام بحق الله تعالى في إقامة مجتمع فاضل، هو من أفضل الفضائل. وإن المعروف يجب القيام به حيثما لاحت فرصته، وقد قال في ذلك الماوردي في كتابه القيم " أدب الدنيا والدين ": " ينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف


(١) هذا الحديث رواه أحمد: باقي مسند المكثرين - مسند جابر بن عبد الله (١٤٢٢٦)، والدارمي: البيوع - من أحيا أرضا ميتة فهي له (٢٦٠٧). عن جابر رضي الله عنه.
وتأتي رواية مسلم: المساقاة (١٥٥٢) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ ". قلت: فليس المقصود هنا بالعافية القوة البدنية، كما سيأتي بعد. ولا عطر بعد عروس.
(٢) رواه البخاري: الأدب - كل معروف صدقة (٦٠٢١) عن جابر رضي الله عنه، ومسلم: الزكاة - بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (١٠٠٥) عن حذيفة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>