للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأماني جمع أمنية، وهي ما يتمناه الإنسان، ويرغب فيه، ويحبه، ولو لم يتخذ له أسبابه، والضمير (١) في قوله تعالى؛ (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) يعود على ما وعد به من عذاب وثواب، والمعنى ليس ما ينزل بكم جزاء لما تعملون بالأماني تتمنونها، ولكن لمن الخطاب في قوله: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ)؛ أهو للمشركين أم لعامة المسلمين؟ في ذلك توجيهان: أحدهما - أن الخطاب للمسلمين، والمعنى على هذا: ليس الأمر بما تتمنون أنتم معشر المسلمين وأهل الكتاب، إنما بما تعملون، فمن يعمل عملا لسوء نفسه أو غيره يجز به في الدنيا والآخرة، ولا يجد له غير الله نصيرا ينصره، أو وليا يعاضده أو يواليه في شره بل الجميع يبرأ منه، ويزكي ذلك الوجه ما يروي عن قتادة، لقد قال: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فنزلت الآية (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ).

وقد يكون في هذا الوجه نظر؛ لأنه يضع أهل الكتاب في موضع المؤمنين في الاحتجاج، مع أن كلام أهل الإيمان هو الحق الذي لَا شك فيه، وفيه الإيمان بالكتب السابقة، مع الكتاب الكريم.

والوجه الثاني أن يكون الخطاب لمشركي العرب. ويكون في الكلام التفات فبعد أنه كان يتكلم عنهم بضمير الغائب (٢)، التفت وخاطبهم بضمير الخطاب تنبيها لهم وبيانا للحق، وبيان أن العمل هو الذي يقدم صاحبه ويؤخره، ويزكي هذا الوجه ما روي عن مجاهد شيخ مفسري التابعين فقد قال: " قالت العرب: لن نبعث، ولن نعذب، وقال اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، تلك أمانيهم "، فكانت هذه الآية (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) ردا على هذه الأوهام.


(١) المقصود بالضمير، أي المستتر وهو اسم ليس.
(٢) أي فيما سبق من الآيات البينات قبل هذه الآية الكريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>