للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قرر سبحانه وتعالى هنا وجوب العدل مع اليتيمة عند الرغبة في الزواج، وصرح بما أشار إليه قوله: (وإِن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) على ما فهمه بعض المفسرين من أن المراد إن خفتم ألا تقسطوا في النساء اليتامى فتزوجوهن من غير أن تعطوهن حقهن من ميراث أو صداق، وقد قال سبحانه في ذلك: (وَترْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) والمعنى لَا تؤتونهن ما كتب الله لهن من حقوق، وترغبون أن تنكحوهن.

وهناك نجد قوله تعالى: (أَن تَنكِحُوهُنَّ) مصدرا (١) قد دخل عليه حرف جر محذوف، وهو إما (فِي)، و (إما) عن وعلى أن المحذوف: لَا تعطونهن ما كتب الله لهن من حقوق وترغبون في نكاحهن لأنفسكم، فلا تعطوهن ميراثا ولا صداقا، وعلى أن المحذوف " عن " يكون المعنى لَا تعطونهن ميراثهم، وتمنعونهن من النكاح، وترغبون عنه لكي يبقى المال تحت أيديكم.

ويظهر أن الذين كانوا يقدمون على شأن يتامى النساء فريقان، فريق يأكل مالها ولا يعطيها صداقها، ويرغب في نكاحها لجمالها، وفريق يستبد بمالها، ويرغب عن زواجها من نفسه أو من غيره حرصا على مالها، والآية تشمل الفريقين وتندد بالطائفتين، ولقد رُوي أن عمر بن الخطاب كان إذا جاءه وليّ اليتيمة، فإن كانت حسنة غنية قال عمر: زوِّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك، وإذا كانت بها دمامة، ولا مال لها، قال له: تزوجها، فأنت أحق بها، وقد قال علي بن أبي طالب لولي يتيمة: تزوجها إن كنت خيرا لها، فإن كان غيرك خيرا لها فألحقها بالخير.

ولم تكن رعاية الله تعالى في أحكامه خاصة بيتامى النساء، بل إنها تعم المستضعفين وسائر اليتامى، ولذا قال سبحانه: (وَالْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الْوِلْدَان وَأَن تَقُومُوا لِلْيتامى بِالْقِسْطِ) وصيتان بنوع واحد من الضعفاء في الَأسر وهم اليتامى، بيد أن إحداهما مؤداها إعطاؤهم حقهم من المال. والثانية القيام على رعايتهم، وحفظهم من الضياع، وواضح أن الثانية عامة تشمل اليتيم الذي ترك له أبوه مالا، أو نال مالا من أية ناحية من النواحي، والأولى تكون لذوي المال.


(١) أي مصدرا مؤولا، وهو المنسبك من (أن) و (الفعل المضارع).

<<  <  ج: ص:  >  >>