للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونجد النص الكريم يقول: (وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ).

وهذا التعبير فيه ثلاث إشارات بيانية:

أولاهما - التعبير بالقيام، فإن مؤداه أن ينهض الولي على القاصر بعناية واهتمام لرعاية حاله، وكون الخطاب للجميع لَا لخصوص الأوصياء يدل على الوجوب على الأمة بشأن يتاماها، أو رعايتهم فرض كفاية فهو على الأمة مجتمعة.

ثانيها - التعبير باللام في قوله تعالى " لليتامى " أي أن يكون القيام والنهوض لمصلحة اليتامى الحقيقية، من حيث التربية والتهذيب، والمحبة من غير تدليل مضعف لقوة النفس والعزيمة والإرادة القوية.

ثالثها - أن يكون ملاحظا في ذلك القسط والعدل، بألا ينقص من ماله شيء ولا يترك هملا إذا لم يكن له مال، فإذا كانت العدالة المالية توجب ألا ينقص من ماله، فالعدالة الاجتماعية توجب أن تسد خلته وضعفه.

وكانت عناية الإسلام باليتامى؛ لأنهم قوة للأمة إن صلحوا، وقوة مدمرة في الأمة إن لم يصلحوا، إذ إنهم لو قُهروا ينشأون وبينهم وبين الناس عداوات مستمرة، ونفور يدفعهم إلى أن يكونوا مدمرين في الجماعة وعنصر تخريب، فإن أكثر الخارجين على الجماعة تبتدئ عقدهم النفسية في طفولتهم بالجفوة معهم، وحرمانهم من المودة والرحمة. (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا).

أي خير تفعلونه، ويكون نافعا لجماعتكم، مصلحا بينكم، فإن الله سبحانه وتعالى يكون عليما به علما دقيقا، لَا تخفى عنه فيه خافية، وفي ذكر هذا النص الكريم بعد الوصايا السابقة إشارة إلى أن هذه الوصايا تنفيذها خير محض، ونفعها لا شك فيه ولا ريب، نفعه لمن يفعله لأن عاقبته حسنى له، وخير للجماعة لأنه يقدم للمجتمع عناصر قوية بانية، وخير للضعفاء في أنفسهم، وهو خير عند الله يحتسب به الجزاء الأوفى عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>