يؤكد المعنى في النفس أفضل تأكيد، وقد قال الزمخشري إن لفظ " أن " يحتمل أن تكون أن فيه مصدرية، والمعنى: وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى. والتعبير بالمصدر المؤول المنسبك من " أن " وما يليها فيه تؤكيد لمعنى المصدرية؛ إذ فيه تصوير واضح للفعل والقيام به، وإن قوله تعالى و (إِيَّاكُمْ) هو من قبيل عطف الضمير على الاسم الظاهر، فيكون في موضع النصب، ولذلك انفصل الضمير.
وقد أكد سبحانه وتعالى وصيته الخالدة ببيان نتيجة مخالفتها، وأنها لمنفعة العبادة، فقال سبحانه:
(وَإِن تَكْفُرُوا فَإنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) وإن الأمر بالتقوى فيه خيركم، إذ فيه سلامة اعتقادكم، واطمئنان قلوبكم؛ وصلاح جموعكم، ومنع الفساد في الأرض، وإن جحدتم أوامر الله تعالى، ولم تعبدوه وحده، وتخشوه حق الخشية، فستفسد أموركم أنتم، ولن يضر الله منكم شيء؛ لأنه مالككم، ومالك كل ما في السماوات والأرض، وهو بهذا الملك الظاهر والسلطان القاهر، يستغني عن تقواكم، وهو المستحق للحمد الدازم، والمحمود في ذاته وشرائعه وأوامره ونواهيه وفي إنشائه وإبداعه، فلا يضيره كفر الكافر، ولا ينقص من سلطانه فجور الفاجر؛ لأن الجميع في قبضة يده وتحت سلطانه.
ولقد قال ابن جرير الطبري في معنى هذه الآية الكريمة:" وإن تجحدوا وصيته إياكم فتخالفوها فإن لله ما في السماوات وما في الأرض. يقول فإنكم لا تضرون بخلافكم وصيته غير أنفسكم، ولا تعدون في كفركم هذا أن تكونوا أمثال اليهود والنصارى في نزول عقوبته بكم، وحلول غضبه عليكم، كما حل بهم، إذ بدلوا عهده، ونقضوا ميثاقه، فغير بهم ما كانوا فيه من خفض العيش، وأمن السِّرب، وجعل منهم القردة والخنازير، وذلك أن له ملك جميع ما حوته السماوات والأرض، لَا يمتنع عليه شيء أراد تجميعه. . من إعزاز من أراد إعزازه، وإذلال من أراد إذلاله ".