للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا يدل على أن الذي نزل على موسى، وبقى عندهم من تعاليمه يصدق ما في هذا الكتاب، إذ التعاليم واحدة في أصلها وفي لبها، ولذا قال محمد صلى الله تعالى عليه ولمملم: " لو كان موسى بن عمران حيًّا ما وسعه إلا اتباعي " (١).

وإن التوراة التي نزلت على موسى فيها التبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم -: (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاة وَالإِنجيلِ)، وإن قوله تعالى: (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْن يَدَيْه مِنَ الْكِتَابَِ. . .)، وقوله في هذا النص الكريم: (مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ) لَا يدل على أن التوراة الحاضرة صادقة لم يعترها تحريف ولا تبديل، فإن القرآن قد نص على التحريف، إذ يقول سبحانه وتعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ. . .)، وقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُم لَفَريقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هوَ مِن عِندِ اللَّهِ وَمَا هوَ مِقْ عِندِ الَلَّهِ. . .)، وإذا كانوا يريدون أن يستدلوا من القرآن على صدق ما عندهم، فليأخذوا به كله، لَا أن يتعلقوا بحرف مما جاء فيه ويستدلوا به.

وإن معنى (مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ)، أي ما بقي معكم من غير تحريف ولا تبديل وهو الرسالة الموسوية في أصلها ومعناها من عبادة الله وحده، ومن إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن تبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وهم يعلمون. كما قال تعالى: (الذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. . .).

وبعد أن طالبهم الله تعالى بأن يؤمنوا بما أنزل من كتاب بين لهم أنهم جديرون بأن يسارعوا إلى الإيمان لمعرفتهم ما جاء فيه من الحق، وأن يكونوا أسوة للمشركين الذين لم يؤتوا علم الكتاب، ولم تكن لهم البينات التي عندهم، فقال سبحانه: (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)، أي: لَا تكونوا أول من يكفر به.

وأول " أفعل " في وزنه، والبصريون يقولون إنه لَا فعل له، والكوفيون يقولون إن له فعلا، هو من وأل إذا نجا، فـ " وأل " فعل بمعنى نجا وخرج ومنه اشتق أول.


(١) أخرجه أحمد: ما في مسند المكثرين (٤ ١ ٠ ٤ ١)، والدارمي: المقدمة (٤٣٦) بنحوه. .

<<  <  ج: ص:  >  >>