للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتولى النظر لكليهما بعين رحمته، ويفيض هدايته، روى ابن جرير عن السُّدَّي أنه قال: نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ اختصم إليه رجلان، غني وفقير، وكان ضلعه مع الفقير، يرى أن الفقير لَا يظلم الغني، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير: (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا).

وإن الذي يستفاد من هذه الرواية مع أصل النص الكريم أن الغنى أو الفقر لا يصح أن يكونا سببا في التفاوت في الحكم؛ لأن الله هو الذي نظم الكون بما فيه ومن فيه، فهو الذي أراد للفقير الفقر مع الأسباب، وأراد للغني الغنى مع الأسباب الظاهرة لدينا، والمصلحة الإنسانية هو سبحانه وحده قدرها، فهو أولى بأن يكون الغني له لأنه هو الذي منحه، وأن يكون الفقير له لأنه هو الذي منعه، فابتلى الأول بالمال، وابتلى الثاني بالحرمان.

هذا حكم الله، وقد رأينا ناسا يحاربون الغنى، ورأينا مع الأسف قضاة يمنعون بعض الحقوق، ويمنحون باسم الغنى والفقر. فهذا " محمد " خير البشر عندما علم الله - الذي يعلم السر وأخفى - أنه يضلع مع الفقير بقلبه، ذكره بأن الله أولى بالغني والفقير، وأنه مقسم الأرزاق، فكيف يسوغ لأحد من البشر أن يظلم غنيا لماله؟!! أو يحابيه لذلك.

وقال الزمخشري: " - فإن قلت - لِمَ ثنى الضمير في (أَوْلَى بِهِمَا) وكان حقه أن يوحد، لأن قوله: إن يكن غنيا أو فقيرا في معنى إن يكن أحد هذين - قلت: قد رجع الضمير إلى ما دلَّ عليه قوله: إن يكن غنيا أو فقيرا إلى المذكور، فلذلك ثنى ولم يفرد، وهو جنس الغنِيّ وجنس الفقير، كأنه قيل: فالله أولى بجنسي الغني والفقير، أي بالأغنياء والفقراء ". . وفي هذا التخريج الذي ذكره الزمخشري إشارة إلى أن الغنَى والفقر أمران ثابتان في هذا الوجوب، لَا يمكن أن تخلو منهما الجماعة الإنسانية، لأن ذلك تنظيم الله تعالى، وإرادته الخالدة، وهو الذي يتفق مع الطبيعة الإنسانية؛ لأن القُدَر متفاوتة والأعمال مختلفة، ونتائج الأعمال كثمرات الزرع والشجر، تختلف باختلاف ما يزرع وما يغرس، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>