للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله " (١) وقال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩).

وقوله تعالى: (فَإِن اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) موقعها من المعنى أنها تعليل لكلام مطوي تدل عليه إذ المؤدى: وما تفعلوا من خير وتبدوه أو تخفوه أو تعفوا عمن يسيء إليكم، فإنكم تقربون إلى الله تعالى، ويحبكم الله لأنه سبحانه عفو دائما وقدير على أخذ المسيء بإساءته، فتخلقوا بصفات الله تعالى، وله سبحانه المثل الأعلى. وهنا ملاحظات ثلاث:

الأولى: أن الآية الكريمة تفيد أن إبداء الخير محبوب، فهل يدخل في هذا الرياء؛ ونقول في ذلك إن الفعل النافع إذا قصد به الرياء لَا يكون خيرا، بل يكون شركا، فلا يدخل تحت عنوان إبداء الخير، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " (٢) فهذا فعل خارج عن نطاق الخير، فلا يلتفت إليه، إذ لَا يدخل في عمومه.

الثانية: أن العفو عن الأمر السيئ إنما يكون في حال ما إذا كانت الإساءة تمس شخص من يعفو، وهو بهذا بذل حقا خالصا له، أما إذا كان الأمر السيئ يتعلق بنظام في الإسلام، فلا يصح أن يترك، بل لَا بد أن يقاوم، ولا يقال لتاركه إنه عفا، بل يقال عنه إنه قصَّر وترك الواجب.

الثالثة: أن الإسلام دعا إلى الصفح الجميل، فقال الله لنبيه: (. . . فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، وهو الصفح من غير منٍّ. ولله تعالى ولرسوله المنّ والفضل.


(١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ " رواه مسلم: البر والصلة - استحباب العفو والتواضع (٢٥٨٨)، والترمذي: البر والصلة (٢٠٢٩)، وأحمد: باقي مسند المكثرين (٨٧٨٢)، ومالك: الجامع (١٨٨٥)، والدارمي: الزكاة (١٦٧٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>