للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن الأذى والفتنة في الدين ظلم لَا ريب فيه؛ لأنه تضييق على حرية الاعتقاد، وإكراه في الدين ولا ظلم أبلغ من سلب الحرية الدينية، وإرهاق المؤمن في إيمانه.

وإن الذين يوغلون في الجحود والظلم لَا ترجى لهم توبة، وإذا كانت توبتهم لَا ترتجى، فالغفران لهم لَا يرجى، لأن الغفران نتيجة التوبة من الجاحدين الظالمين، وما كانت التوبة للذين يعملون السيئات، وتستغرق نفوسهم، ولا يتجهون إلى الله قط، ولذلك قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ اللَّه لِيَغْفِرَ لَهُمْ) اللام في قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَهُمْ) هي التي تسمى في اصطلاح النحويين لام الجحود، أي لام النفي المطلق، أي النفي الذي يكون ناشئا عن طبيعة موضوعة، وعلى ذلك يكون المعنى لم يكن من حكمة الله تعالى، وتدبيره الحكيم أن يغفر لهم، لأن حالهم تنفي الغفران إذ تنفي سببه، وهو الإقلاع عن الكفر والظلم، والندم على ما وقع منهم، وإذا كان ذلك لَا يتحقق، فالنفي المؤكد، والجحود المطلق لاستحقاق المغفرة مؤكد، إذ لَا يقابل جحودهم بالله إلا جحود الغفران لهم، وإن الهداية إلى الحق تبتدئ بالاتجاه السليم إلى طلبه، والسير في طريقه المستقيم، وأولئك الذين أوغلوا في الشر وساروا في طريقه، أو غابوا في صحرائه وبعدوا عن الجادة لَا يمكن أن يهديهم الله تعالى إلى الطريق المستقيم، لأنهم بعدوا عنه بعدا شديدا، ولا يمكن أن يسمعوا نداء الحق؛ لأنه لَا يصل إليهم صوته، وقد اختفت من قلوبهم أماراته، فهداية الله تعالى إنما تكون لمن لم يبعد عن طريق الخير، ولا تكون إلا إذا أتجهت النفوس إلى طلبه، ولم تحط بها الخطايا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (١١).

والآية الكريمة تتضمن بيان حقائق:

الأولى - أن الظلم وإرهاق النفس بالإكراه أشد الموبقات التي توبق أعمال العبيد، وترهقهم، وإن ظلم العباد لَا يغفره الله تعالى إلا إذا عفا الذين وقع الظلم عليهم، ولذلك ذكر امتناع الغفران مقرونا بالظلم، ومسببا له، وثمرة مترتبة عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>