للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا كان ما قالوا باطلا، لَا يمت إلى الحق بسبب، فالحق هو ما قرره الله تعالى في قوله تعالت كلماته.

(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منْهُ) صدر الكلام بأداة القصر، وهي " إنما " ومعنى القول ليس المسيح عيسى ابن مريم إلا رسول الله أرسله لهداية الحق، وهو قد نشأ بكلمته، ونفخ بروح منه في مريم، فكان من بعد بشرا سويا، وهو في إيجاده آية قدرة الله تعالى على الخلق من غير تقيد بالأسباب التي تجري بين الناس، فهو سبحانه خالق الأسباب والمسببات بديع السماوات والأرض وليس له ولد: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤).

ولا بد أن نتعرض بقليل من البيان لثلاث عبارات: الأولى - التعبير بـ (الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مرْيَمَ) والثانية (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) والثالثة (وَرُوح مِّنْهُ) فقد تعلقت الأوهام بالعبارتين الأخريين، فوجب بيانهما، مع أن في الأولى إزالة الأوهامهم.

أما العبارة الأولى، وهي (الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) فإن الله تعالى قد ذكر أنه المسيح، وأنه عيسى، وأنه ابن مريم، فأما الأول فهو الاسم الذي يذكر به في القرآن، وذكر بجواره عيسى للإشارة إلى أنه شخص ككل الشخوص فيه إشارة إلى بشريته، والتصريح بالبشرية في قوله تعالى " ابن مريم " فهو مولود خرج من رحم أنثى، كما يخرج الأولاد من أمهاتهم، وإذا كان لم يخرج من صلب أب، فإنه قد خرج من رحم أم، وحسبنا ذلك دليلا على البشرية المطلقة، وفي ذكر الأم من غير ذكر أب دليل على أنه لَا ينتسب إلى أب قط، فليس ابن يوسف النجار، وليس ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

والعبارة الثانية، وهي (كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) فإن الكلمة هنا قد تكون مجملة، ولكنها ذكرت في آيات مبينة، ذكرت في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، فقد قال تعالى في شأن خلق عيسى عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>