للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا ضغنا، حتى يخلص قلبك من كل ما يعكره، لتصفو الدعوة، وإن الله تعالى يحب الذين يتقنون أعمالهم بسلوك سبيل الدعوة الصحيحة، وأخذ الناس بالرفق، ومعاملتهم بالتي هي أحسن، والإنعام عليهم بالعفو، وخلوص النفس من كل الشوائب بالصفح الجميل.

ولكن من هم الذين يستحقون ذلك العفو والصفح، أو بعبارة أخرى من الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعفو عنهم والصفح الجميل لهم. قال بعض المفسرين: هم العدد القليل الذين استثناهم الله تعالى بقوله تعالت كلماته: (إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ).

وإنا نرى أن ذلك، ولو أنه مستقيم مع سياق اللفظ هو غير مستقيم في سياق المعاني؛ لأن هؤلاء لم يسيئوا ولم يكونوا خائنين، حتى يكون للعفو والصفح موضع.

وقال بعض المفسرين: إن الذين أُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعفو عنهم هم اليهود جميعا، ولكن نُسخ هذا بقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ. . .)، وهؤلاء منهم، ولكن يرد عليه بأن النسخ لَا يصار إليه إلا إذا لم يمكن الجمع.

وقال آخرون: إن المراد اليهود ولا نسخ؛ لأن العفو والصفح كان بمساكنتهم وبقبول الجزية منهم مع معاشرتهم للمسلمين على أن يكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وفي ذلك النظر وجاهة.

والذي نراه أن الأمر بالعفو والصفح عام لليهود، لكي يؤدي النبي - صلى الله عليه وسلم - واجب الدعوة، وكذلك الشأن في كل داع إلى دعوة؛ لأنه إذا كانت النفس يشوبها الغضب والألم والإحن ويبدو ذلك في اللسان، فإنه لَا تستقيم الدعوة، ولا تقوم الحجة على من يدعوهم؛ لأن الله تعالى يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ. . .)، ويقول سبحانه: (ولا تجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بالَّتِي هِي أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا منْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، ولا يمكن أن يكون ذلك قد

<<  <  ج: ص:  >  >>