للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) " الفاء " هنا فاء الإفصحاح، لأنها تفصح عن شرط مقدر، والمعنى إذا كنتم كما زعمتم أحباء الله تعالى وأبناءه فلم يعذبكم إن ارتكبتم ذنوبا تؤثمكم؛ فأنتم كسائر الناس تذنبون، ولو كنتم متصلين بالله أكثر من غيركم ما أذنبتم، ولو أذنبتم ما عُذِّبتم، وفي كتبكم التي بأيديكم أنكم تعذبون على ما تقترفون من آثام. وقد أقر اليهود بأن العذاب سيقع بهم، إذ قال الله تعالى عنهم: (وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً. . .)، وإن النصارى يقرون بأنه سيُديِّن الناس يوم القيامة، ويجازي المحسن على ما أحسن، والمسيء على ما أساء.

وقد رد الله سبحانه أصل الادعاء بقوله تعالى: (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ ممَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ) أي أن صلة الله تعالى بكم هي صلته بخلقه، وأنتم بعض منهم، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، فهو يغفر لمن يشاء، واقتضت حكمته الغفران له لتوبته ولصغر ما ارتكب، ووازن حسناته بسيئاته، وأن الحسنات يذهبن السيئات، ويعذب من يشاء بمقتضى حكمته؛ لأن الخطيئة أحاطت به، ولم يقلع عما ارتكب وأساء، والله عليم حكيم، وغفور رحيم.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) هذه الجملة من تتمه الرد عليهم، ويحتمل أن تكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أمر أن يقوله، ويحتمل أنها من كلام الله تعالى تأكيدا لحكمته تعالى وكمال سلطانه، وقد تأكد الرد بقوله تعالى: (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي أنه سبحانه وحده هو الذي تصير إليه أمورهم يوم القيامة، وهو الذي يعلن حينئذ محبته. لمق استحق محبته بالطاعة والتقوى، ويكون مآله إلى الجنة والنعيم المقيم، ولن تكون للذين غيروا وبدلوا في دينه وأشركوا به - تلك المحبة التي ادعوها، ولا ذلك النعيم الذي وعد به، وسيكون العذاب لمن عصى أمر ربه، وغالى في تقديس عباد الله تعالى وأشرك به، والله هو الذي يتولى الفريقين بعدله وحكمته. .

<<  <  ج: ص:  >  >>