للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى لَا يسكنون عن نشاطهم في العبادة، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لكل عمل شِرَة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا، وإلا فقد هلك " (١) فقوله عليه الصلاة والسلام: " ولكل شرة فترة " إشارة إلى ما قيل: للباطل جولة ثم يضمحل، وللحق دولة لَا تذل ولا تقل، وقوله: من فتر إلى سنتي أي سكن إليها، والطرف الفاتر فيه ضعف مستحسن ".

ويستفاد من ذلك الكلام القيم أن الفترة سكون بين عملين بارزين، فهي سكون بين زمني عمل، ولا شك أن عدم وجود رسالة في زمن بين رسالة مضت، ورسالة آتية، وهو سكون نسبي في الزمن بينهما، وإن كان العمل واجبا بالشريعة السابقة، حتى تنسخها الشريعة اللاحقة، ويكون التكليف منها.

وهنا مباحث لفظية تشير إلى نواحي البيان العالي في النص الكريم: المبحث الأول - في التعبير بقوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ) بدل أن يقال " جاء إليكم " لأن التعدية بغير " إلى " فيها معنى الملاحقة والملازمة، وأنه لَا مناص من اتباعه، ففرق بين أن يقال جاء إليه، وأن يقال جاءه، لأن الثانية تضمن الملازمة، وأنهم لَا يستطيعون الخروج عما جاء به إلا إذا أذنبوا.

الثاني - وإضافة كلمة الرسول إلى الذات العلية في قوله تعالت كلماته: (رَسُولُنَا) إشارة إلى معنى قدسية هذه الرسالة ومكانتها، وأنها ممن لَا تسوغ مخالفته، ولا الخروج عن طاعته.

الثالث - ابتداء الخطاب بقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) تنبيه لهم بأن مصاحبتهم للكتاب، وكونهم أهل معرفة يوجبان عليهم الطاعة، والاستجابة، لأنهم عرفوا رسالة الله تعالى إلى خلقه، وأنه ما خلقهم عبثا، ولا يتركهم هملا، وأنهم إن


(١) عَنْ عَبْدِ اللًه بْنِ عَمْرو قَالَ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَ لِكُل عَمَل شِرَةً وَلِكُل شِرَّةِ فَترَةٌ فَمَنْ كَانَتْ شِرَتُهُ إِلَى سُنَتِي فَقَدْ أفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ " رواه أحمد: مسند المكثرين (٦٧٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>