في الآيات السابقة بين الله تعالى لجاجة أهل الكتاب في عنادهم وطغيانهم، ونقضهم العهود التي وثقت عليهم، ولَعْنَ الله تعالى لهم وطردهم من رحمته، ومكان العز لهم، وأشار إلى أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لَا يزال يرى طائفة من أخلاف الحاضرين تسير على خطة السابقين من خيانة، وتظهر بما اتسموا به من قسوة جعلت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، وذكر سبحانه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان منهم لنبي الله موسى عليه السلام الذي أجرى الله تعالى على يده إنقاذهم من فرعون الذي كان يذئح أبناءهم ويستحيى نساءهم، ويسومهم سوء العذاب، ولقد قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في معنى هذا:
" وهذا من تعريف الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بتمادي هؤلاء اليهود في الغي، وبعدهم عن الحق، وسوء اختيارهم لأنفسهم، وشدة خلافهم لأنبيائهم، وبطء إنابتهم إلى الرشاد مع كثرة نعم الله عندهم، وتتابع أياديه وآلائه عليهم، مسليا بذلك نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم -، عما يحل به من علاجهم، وينزل به من مقاساتهم في ذات الله تعالى، يقول الله تعالى له - صلى الله عليه وسلم -: لَا تأس على ما أصابك منهم، فإن الذهاب عن الله تعالى والبعد عن الحق من عاداتهم وعادات أسلافهم.