للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الأول - فقد قال تعالى فيه أنهم " يخافون " ولم يذكر الأمر المخوف، ولذلك كان للعلماء في تقدير المفعول تخريجان: أحدهما - أن يقدر المحذوف في الذكر هو الله سبحانه وتعالى، والمعنى يخافون الله ويتقونه، ويرجحون تقواه، والخوف من عصيانه على الخوف من أعدائه، ولو كان ذوي بطش شديد، أو جبارين في الأرض، فكل قوة مهما عظمت تصغر بجوار قوة الله تعالى.

والتخريج الثاني - أن يكون المعنى يخافون الأعداء ويقدّرون قوتهم، ولكن أنعم الله تعالى عليهم بطاعة الله تعالى.

وذكر الزمخشري وجها آخر، وقد تبعه فيه الكثيرون، وهو أن المراد من الذين يخافون هم بعض الجبارين، والاسم الموصول موضوعه الجبابرة، والضمير محذوف يعود إلى بني إسرائيل، ويكون المعنى على ذلك أن رجلين من الجبارين الذين يخافهم بنو إسرائيل ويرهبونهم، قالوا ادخلوا عليهم، ويكون على هذا التفسير معنى أنعم الله عليهما أنه أنعم عليهما بنعمة الإيمان.

وقد رجح ذلك الزمخشري بأمرين: أولهما - أن هناك قراءة بضم الياء " يُخافون " (١) وهذا يتعين أن يكون المراد اثنين من الجبارين، وإحدى القراءتين تكون مفسرة للأخرى، والثاني - (أنعم الله عليهما) فإن الظاهر منها في هذا المقام هو نعمة الإيمان، وذلك لمن يكونون غير مؤمنين وقد صاروا مؤمنين، ولكن ذلك الأمر غير مؤكد؛ لأنها ليست مقحمة على التفسير الأول، بل لها معناها، وهو أن الله أنعم على الرجلين اللذين قالا الحق من بني إسرائيل بنعمة الصبر، وقوة العزيمة والهمة، فوق نعمة الطاعة وتجنب المعصية.

(ادْخُلُوا عَيهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ). هذه مقالة الرجلين اللذين أنعم الله تعالى عليهما فيما حكى الله تعالى عنهما، أراد ذانكم الرجلان أن يزيلا خوف بني إسرائيل من أهل هذه الأرض إذ إنهم أجسام ليس فيها قلوب قوية،


(١) ليست في العشر المتواترة.

<<  <  ج: ص:  >  >>