للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشعر بالعدالة في ذاتها، ولم يشعر بالرحم الواصلة بينهما ولم يشعر بحق الحياة التي خلقها الله تعالى وأودعها كل نفس ولم يشعر بحرمة الدم، وبأن القتل أعظم جريمة في هذا الوجود الإنساني، وقد أكد عزمته الآثمة، وإصراره عليها من غير خور ولا ضعف؛ ولذلك أكدهما أولا بالقسم المطوي في القول، والذي تدل عليه اللام، وهي مؤكدة أيضا بنون التوكيد الثقيلة، وكانت المجابهة الآثمة لأخيه بذلك الخطاب المواجه، ولم يستر نيته، فكان التبجح السافر الذي أدى إليه الفجر في القول، والإجرام في العمل، والكسب الآثم.

وإن هذا يدل على تصميمه على القتل، وهذا النص الموجز يبين روح الإجرام في المجرمين الذين يريدون السوء بالأخيار في المجتمع، وكلما زاد خير الأخيار، أوغل المجرمون في الشر والإيذاء، حتى أنهم ليستمرئون الشر، كما يستطيب الأخيار حب الخير، وإن هؤلاء آفة الجماعة الإنسانية، ومن تظهر مآثمه منهم تحق عليه كلمة العقاب زجرا وردعا، وتهذيبا للمجتمع وتطهيرا له، فالذين يذهب بهم فرط رأفتهم إلى الاعتذار لهم آثمون في حق جماعتهم، راضون بأن يعيش الشر في قلوب الاثمين.

(قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) تلك أول كلمة نطق بها التقي البر في مجاوبة اعتداء أخيه، أو الجهر بنية الاعتداء، وهي في ذاتها اعتداء، فقد قال كلمات أربعة، كل واحدة منها تنبئ عن إيمان مكين عميق، وتلك هي الأولى، وهذه الكلمة تفيد السبب في القبول، وترشد أخاه إلى تطهير قلبه، وإلى الاتجاه إلى ربه، وإلى الاستشعار بخشيته، وفي تلك الكلمات الطيبة معان كريمة.

فهي أولا تفيد قصر القبول بلفظ (إِنَّمَا) على المتقين، والقصر نفي وإثبات، أي أن التقوى هي سبب القبول، فإن وجدت كان القبول، وإن لم توجد انتفى القبول، وتفيد ثانيا أن عدم القبول إنما يكون من نفس المتصدق، لَا من أمر خارجي فالجزاء على قدر النية، فالتقوى دائما من القلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>