للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولد آدم الذي زين له حسده لأخيه قتله، وهو بين إقدام وإحجام يفكر في كل كلمة من أخيه الحكيم، فيجد في كل منها صارفا له عن الجريمة، ويدعم ما في الفطرة من صوارف العقل والقرابة، فيكر الحسد من نفسه الأمارة بالسوء على كل صارف من صوارف نفسه اللوامة، فلا يزالان يتنازعان، ويتجاذبان حتى يغلب الحسد ويجذبه إلى طاعته ".

وإن في النص الكريم إشارة إلى هذه المعاني من حيث التردد، فقد عبر عن المقتول بقوله: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ). والمعنى: أن الأخوة، والاطمئنان إلى القرابة كانا يعارضان دواعي القتل، وعبر عن الجريمة بقوله فقتله، مما يدل على أن التطويع للحسد بعد المغالبة ترتب عليه أقوى شر في هذا الوجود، وهو إزهاق النفس التي حرم الله قتلها من غير جريمة إلا أن يكون قبول الله لقربانه جريمة عند الحاسدين.

والنص القرآني مع كل ما سبق فيه إشارة إلى شناعة الجرم في ذاته من حيث الباعث عليه ومن حيث الصلة بين القاتل والمقتول، ومن حيث ذات الفعل، فإنه أكبر جريمة إنسانية في هذا الوجود، ولكل هذه المعاني أشار القرآن الكريم بأوجه تعبير، وأدق الألفاظ، وهو سر الإعجاز، وفيه بلاغة الإيجاز مع الوضوح، وإشعاع المعاني بالنور من ثنايا الألفاظ.

(فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أي فصار من الخاسرين بعد تلك الجريمة الكبيرة التي تحيط بها الشناعة من كل أطرافها، والتعبير بأصبح هيأ لها المقام في الكلام " لأن " أصبح " تدل على أنه كان مدركا لما ارتكب عندما أشرق نور الصبح، كأنه وقت الحيرة أو إرادة الارتكاب في ظلمة من عقله وقلبه، وفي ديجور من الظلام يشبه ظلام الليل، حتى كان الصبح المنير الذي أراه الأمور على وجهها، وأدرك في ذلك الضوء الذي جاء عند الصباح مقدار الإثم فيما فعل.

والخسران الذي لحقه هو خسران القلب المؤمن إذا أربد بالمعاصي، وطغى عليه الشر، حتى غلبه، وأركس في مهاوي الشر بسبب ضغن نفسه، وامتلاء قلبه

<<  <  ج: ص:  >  >>